شعار قسم مدونات

أشقاء مسيلمة

A handout photograph made available by the Egyptian Presidency shows Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (4-L) attending an official funeral former Secretary-General of the United Nations Boutros Boutros-Ghali, in Cairo, Egypt, 18 February 2016. People attending are (L-R) Pope Tawadros II, head of the Egyptian Coptic Orthodox Church, Sheikh of Al-Azhar Ahmed al-Tayeb, Prime Minister Sherif Ismail, and Egyptian Defense Minister Sedki Sobhi (5-L). Former UN secretary general Boutros Boutros-Ghali died on 16 February at the age of 93. EPA/EGYPTIAN PRESIDENCY/HANDOUT
وَالطَّاحِنَاتُ طَحْنًا، فَالْعَاجِنَاتُ عَجْنًا، فَالْخَابِزَاتُ خَبْزًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قُرَيْشٍ نِصْفَيْنِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ لَا يَعْدِلُونَ، هذه بضع آيات من قرآن مسيلمة بن حبيب الكذاب كان يتلوها على قومه بني حنيفة الذي صدقوه واتبعوه وعاهدوه على النصرة أو الموت دونه بعد أن عاهدوا خير الناس قبله (محمد صلى الله عليه وسلم). لقد بدأ هو وأدعياء النبوة سنة لم تنقطع إلى يومنا هذا، إنها سنة استخدام الدين لغرض الدنيا وللزعامة والرياسة فيها.

قُتل مسيلمة الكذاب وانتهت فتنته وافتُضح أمره بفضل صِدق الصِّدِّيق وإخلاصُ جنده، وكذلك انتهى أمر سجاح بنت الحارث، والأسود العنسي، وطليحة بن خويلد وكل من استعمل هذه الحيلة الخبيثة كي يحقق أهدافاً دنيوية وتسبب في سبيل ذلك في هلاك قومه وأتباعه وخسارة دنياهم وآخرتهم، لكن ذلك حين كان للمسلمين راية واحدة وعقيدة راسخة وإيمان كالفرقان يميزون به الحق والباطل والخبيث من الطيب.

انتهى زمن مدَّعي النبوة، لكن لم تنته حيلتهم معهم، وأصبح الدين وسيلة من وسائل الطغاة في الاستبداد بدلاً من الانصياع له للإصلاح، يأولون نصوصه ويؤمنون ببعضه ويكفرون ببعضه الآخر، أو على الأقل يكتمونه، ويساعدهم في ذلك فئة من مضللي الناس، من أتباع مسيلمة الكذاب، يُطلق عليهم السلاطين وإعلامهم علماء، ولكن علماء الرحمن يطلقون عليهم علماء السلطان، فهم وسيلته لإخضاع الناس له باسم الدين، وطردهم من الجنة إن كانوا فيه من الزاهدين.

شيخ الأزهر الذي كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم، والذي قال يوماً على شاشات التلفاز إن الأزهر والحزب الوطني كالشمس والقمر! إنه يعلم ماذا يفعل، ولم يتم اختياره إلا ليفعل ما يفعل
شيخ الأزهر الذي كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم، والذي قال يوماً على شاشات التلفاز إن الأزهر والحزب الوطني كالشمس والقمر! إنه يعلم ماذا يفعل، ولم يتم اختياره إلا ليفعل ما يفعل

لم يكن السيسي بمفرده يوم الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ حينما خلع رئيساً انتخبه الشعب المصري وارتضى به بصندوق شهد الجميع بأنه لم تُزوَّر نتائجه، بل كان بجواره هؤلاء الصنف من رجال الدين، أو قل مخضعي الدين للسلطان، فكان أول من تكلم بعده من يطلق عليه الشيخ الأكبر، وهو شيخ الأزهر، ثم عقبه بيان تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، لأن دورهم كان أهم في ترسيخ حركة الانقلاب من مدعي الثورة محمد البرادعي الذي جاء دوره بعدهما في بيان الانقلاب.

لم يكن الأمر غريباً على كثيرين حينما رأوا شيخ الأزهر في هذا الموقف يتخاذل عن نصرة رئيس بايعه قومه، ويصمت عن إخفائه قسراً ويشارك في إثم اعتقال عشرات الآلاف من شباب مصر الأبرياء وقتل الآلاف منهم، ثم محاكمة مرسي الهزلية والحكم عليه بالإعدام في قضايا مهترئة لا يُحاكم بها رئيس جمهورية كالتواصل مع أخوة عرب مسلمين أشقاء في حماس وقطر، بعد أن عجز نظام السيسي كله الذي كان يتجسس على مرسي وحكومته وأتباعه من إيجاد له قضية حقيقية واحدة من اختلاس أو استغلال نفوذ أو سرقة مال عام أو أي تهمة أخرى من هذا القبيل.

لقد كان الطيب طيباً مع مبارك والسيسي، لكنه أبى أن يكون طيباً مع من كان أحرص الناس عليه وعلى حقوقه وأكثر الناس احتراماً له، والرئيس الوحيد الذي كان من حفظة القرآن. نعم لم يكن الأمر غريباً حينما رأوا تلك المواقف من شيخ الأزهر الذي كان عضواً بلجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم، والذي قال يوماً على شاشات التلفاز إن الأزهر والحزب الوطني كالشمس والقمر! إنه يعلم ماذا يفعل، ولم يتم اختياره إلا ليفعل ما يفعل. الأمر ذاته يتكرر مع مفتي بشار الأسد، ذلك الشيخ المعمم الذي لم يكتف بالصمت على حاكم طاغية يقتل شعبه كل يوم ويدمر أرضهم ويدعو حلفاءه لغزو بلاده وقتل قومه.

" سنظل نعيش في زمن ليّ أعناق النصوص وإسقاطها على ما ليست له، وكتم ما أمر الله به ويغضب السلطان والتركيز على ما يرضي السلطان وإن كان يغضب الله

بل لم يفتر عن الدفاع يوماً عن هذا النظام، ليس محلياً فحسب، بل إن همته في إرضاء مولاه بشار دفعته لأن يكون مبعوثاً في محافل دولية للدفاع عن هذا الطاغية وأن يكون عوناً له في استمرار حكمه وقتل هؤلاء المساكين الذين كل ذنبهم أنهم أرادوا يوماً أن يعيشوا في حرية وعزة وكرامة، ولم يعلموا أن دينهم الذي يكفل لهم هذا سيستعمله بعض لصوص النصوص ليكونوا من أكبر العقبات في طريق الوصول إلى ما يحلمون به.

وأشقاء مسيلمة ليسوا في مصر والشام فحسب، بل في كل قُطر من أقطار بلادنا العربية، وعلى رأسها بلاد الحجاز، يحرمون ويحللون على أهواء ملوكهم، ويتكلمون للدفاع عنهم، ويصمتون على ظلمهم. تم اعتقال العديد من الدعاة والعلماء ظلماً وجوراً لأنهم ليسوا من المسبحين بحمد نظام سلمان وابنه وليسوا من أهل الولاء والطاعة التامة لهم من دون الله، ولم يخرج مفتي آل الشيخ وأمثاله من ينبس ببنت شفة، وحين قال بعض الشباب لن نسكت على هذا الظلم خرجوا عليهم كالأسود يحرمون ويهولون ويخوفون، فيزرعون الشك في قلوب أصحاب الإيمان الضعيف، فيخافوا أن تضيع دنياهم وآخرتهم فيرتضوا السكوت عن الظلم والباطل كما سكت عنه آبائهم الذين أسكتهم الجيل السابق من أتباع مسيلمة.

ليس ذكر مسيلمة هنا ولا تسميتهم بأقرانه تكفيراً لهم، إنما التشبيه في إضفاء الربانية على أفعال أو أشخاص معينين لحمايتهم أو تمكينهم أو التنكيل بمعارضيهم. في زمان مسيلمة كان الدين الإسلامي حديثاً وفكرة النبي الذي يحكم ويلتف حوله الناس يقاتلون من أجله لامعة براقة بعد أن شاهد العرب كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيداً، ثم التف الناس حوله حتى حارب العرب والروم وفتح مكة وخيبر، فكانت الوسيلة الأمثل هي ادعاء النبوة، أما الآن فلا يجرؤ أحد على هذا، ولا يجرؤ أحد علماء السلطان على الخروج على الناس بقرآن "أخرق" مثل قرآن مسيلمة، ليس لأنهم يعفّون عن ذلك. بل لأن ذلك لن يخدم غايتهم ومقصدهم وهي تسخير الناس لسلطانهم، فالناس لن يتبعوهم بل لربما حاربوهم.

لذلك سنظل نعيش في زمن لي أعناق النصوص وإسقاطها على ما ليست له، وكتم ما أمر الله به ويغضب السلطان والتركيز على ما يرضي السلطان وإن كان يغضب الله، ولن يرتدع هؤلاء عن فعل ذلك حتى يشد أتباع محمد من أزر بعضهم البعض ويبعثهم الله بعد سباتهم، فينهرون أتباع مسيلمة ولا يجد كل مسيلمة رضي بتسخير الدين نفسه إلى وحده في حديقة الموت، ينتظر حربة وحشي تنهي أمره فيعود المسلمون كما كانوا أمة واحدة ودولة واحدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.