شعار قسم مدونات

وداعاً أكتوبر.. وداعاً أيها الشريط الوردي

Blogs-سرطان
وأخيراً سيغادرنا شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وأخيراً سيُلملم أيامه الواحد والثلاثين ويمضي بعيداً عنا، وأنا أستعجله الرحيل منذ أسبوعه الأول. كان من المفترض أن يكون لشهر أكتوبر جمالاً خاصاً، ففي تشرين ينسحب الصيف مغادراً، ويتجلى جمال الطبيعة بتدرجات اللون البني في أوراق الأشجار وتراب الأرض، ويُصبح هناك وقتاً أطول للاسترخاء والمطالعة والكتابة، ووقتاً ألطف للاستمتاع بالمشي وعبق الطبيعة التي تُعلن خصوبتها امتلاءها ونماءها.
           
بعيداً عن طيش الصيف ونزقه، تأتي لفحات البرد لتُخفف من حدّة الحر، تختفي شمسه تارةً وتظهر تارةً أخرى، وتُحيي أمطاره الأولى قلوبنا وجفاف أيامنا. ثم أليس هو من قال فيه نزار قباني: "جاء تشرين يا حبيبة عمري… أحسن الوقت للهوى تشرينُ"! تشرين الأول شهر ميلادي أيضاً، ومع ذلك كنت أسأله الرحيل كل يوم.
       
لقد كرهت شهر أكتوبر منذ عام 2006، أي منذ انطلاق المبادرة العالمية بجعل شهر تشرين الأول (أكتوبر) الشهر العالمي للتوعية بمرض سرطان الثدي، تحت اسم"Pink for October"، حيث تقوم مواقع حول العالم باتخاذ اللون الزهري أو الوردي شعاراً لها من أجل التوعية من مخاطر سرطان الثدي، كما يتم عمل حملة خيرية دولية لرفع التوعية والدعم وتقديم المعلومات والمساندة ضد هذا المرض. وكان أول ربط بين استخدام الشريط الوردي مع سرطان الثدي في خريف عام 1991، عندما وزعت مؤسسة سوزان كومين شرائط وردية على المشاركات في سباق بمدينة نيويورك للناجيات من الإصابة بسرطان الثدي.
      
واعتُمد الشريط الوردي كرمز رسمي عام 1992، محتذياً حذو الشريط الأحمر الممثل للتوعية بمرض الإيدز. لا شك أن هذه الحملات ساهمت بشكلٍ فعّال في تقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورة سرطان الثدي، وشجعت السيدات على التبكير في الكشف عنه ومن ثم الخضوع لعلاجه، وساهمت في نجاة آلاف النساء. ولكنه من جانبٍ آخر زاد هوس الفتيات في إجراء الفحوصات الذاتية والسريرية وفحوصات الماموغرام، ووضعهنّ تحت ضغط الإصابة به، وأصبح شغلهنّ الشاغل مدّة شهرٍ كامل. هذا الشكّ أصبح ظاهرة فعليّة، وليس مجرد وساوس عابرة عند بعض النساء، لقد لفت نظري تعليق إحدى السيدات على الصفحة الشخصية للباحثة في بيولوجيا السرطان الدكتورة علياء كيوان، بأنها تخشى متابعة صفحتها لكثرة حديثها عن السرطان، وفي الحقيقة كان رد الدكتورة طريفاً عندما قالت أن صفحتها إذاً باتت تشبه عيد هالوين.
                 

مع كثرة الحديث عن مرض سرطان الثدي هناك أخريات وقعن تحت تأثير هذه الرسائل اليومية وأصبن بمرض نفسي، حيث يُصاب المريض بالقلق حول احتمال الإصابة بالمرض
مع كثرة الحديث عن مرض سرطان الثدي هناك أخريات وقعن تحت تأثير هذه الرسائل اليومية وأصبن بمرض نفسي، حيث يُصاب المريض بالقلق حول احتمال الإصابة بالمرض
           
صادفتُ حالة مشابهة لحالة القلق هذه، عندما قدمت الدراما السورية سلسلة من المسلسلات التلفزيونية للتوعية من مرض الإيدز: أبناء القهر (2002)، حاجز الصمت (2005)، الخط الأحمر (2008)، يومها تخيل كثيرون أن هذا المرض قد يتربص بهم في عيادة طبيب الأسنان، في المستشفيات، في مراكز التبرع بالدم، أو قد يلمحون شبحه على قارعة الطريق، تماماً كالكاراكتارات المخيفة في عيد هالوين. الحملات الإعلانية والإعلامية، المقالات الطبية والأبحاث العلمية، الفعاليات الرياضية والبرامج الغذائية، بقدر ما ساهمت في توعية النساء بمرض سرطان الثدي، بقدر ما زادت مخاوفهنّ، لدرجة أن بعضهنّ بدأن يتجنّبن تصفح الإنترنت أو قراءة الصحف أو متابعة مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الفترة من كل عام.
         
وأخريات وقعن تحت تأثير هذه الرسائل اليومية المكثفة وأصبن بمرض نفسي اسمه "الوسواس المرضي"، حيث يُصاب المريض بالقلق والتفكير حول احتمال الإصابة بأمراض لم تُكتشف بعد من قبل الطبيب، ويبدأ بالاهتمام المفرط بأي تغيرات في جسمه والخوف من أن تكون هذه التغيرات دليلاً على الإصابة بمرضٍ عضال، وما إن يقرأ أو يسمع عن أعراض أي مرض حتى تتملكه الوساوس، ويُكثر من زيارة الطبيب للكشف عن شكواه النفسية التي تتحول إلى جسمانية، وهو مرضٌ يُثقل كاهل المريض ويعيق سير الحياة اليومية.
           
إن الأفكار الإيجابية والوعي هامان لتهيئة الجسم لمقاومة أي نوع من السرطان، وكل العالم بمنظماته ومؤسساته وأفراده يتطلع ليصبح هذا المرض مُنهَكَ القِوى، وفاقداً لتأثيره الخبيث على جسم الإنسان، ولكن يبقى الاعتدال في تناول جرعات الأمل الخيار الأفضل، فدور الحالة النفسية مهم جداً للإنسان، وهو حين يتوتر أو يخاف يؤدي إلى خلل في جهاز المناعة. وأخيراً كل السلامة لنساء هذا العالم، أنتنّ جميلات وقويات وبما منحكنّ الله من صفات ستتغلبن على سرطان الثدي بالوقاية والعلاج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.