شعار قسم مدونات

بركات "قواعد العشق الأربعون"

blogs- قواعد العشق
سواء اتفقنا مع أو اختلفنا على رواية "قواعد العشق الأربعون" للروائية التركية "إليف شافاق"، وقيمتها الفنية والإبداعية، فهي رواية ناجحة تجارياً على الأقل، وهذا هو الهدف المُضمر عند معظم الكُتَّاب، ولا تخدعك مقولات الإبداع والتجريب والقيمة الفنية والخلود، فما هي إلا تبريرات مُفلسٍ، لم يهتدِ بعد إلى عقول وقلوب القراء.
     
نالت "قواعد العشق الأربعون" بصفحاتها 511 في ترجمتها العربية، حظوة كبيرة جداً عند القراء والنقاد على حد سواء، واهتماماً كبيراً، وتداولاً واسعاً، وتُرجِمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وزادت مبيعاتها عن مليون نسخة، فغدت الرواية الأكثر مبيعاً في تركيا على الأقل. شهرة الرواية انعكست على جميع أعمال "شافاق"، فانتبه القراء والنقاد إلى أعمالها السابقة، وعادوا إليها قراءةً ودراسةً، وترقبوا بلهفة أعمالها الجديدة، علَّهم يحظون بمتعة مضافة، وجرعة أكبر من الإثارة والتشويق والجمال الصوفي الأخاذ.
      
في مقالة "احتجاب شمس تبريزي" في موقع "طواسين" أشار الكاتب "خالد محمد عبده" إلى ملاحظة مهمة، وهي اهتمام دور النشر بالكتب القديمة والحديثة المتعلقة بجلال الدين الرومي وشمس التبريزي، فقد وجدت هذه الكتب رواجاً وطلباً واهتماماً بعد شهرة رواية "قواعد العشق الأربعون"، وهذا مُلاحظ في معارض الكتب في غير مكان، وسؤالُ وبحثُ القراء عن كل ما يمت بصلة لجلال الدين الرومي وشمس التبريزي.
      

ألف تحية لـ
ألف تحية لـ "إليف شافاق" التي فتحت باباً على مصراعيه، وتركته مشرعاً ليدخل من يشاء كيف يشاء متى شاء
 

وذكر الكاتب أمثلة منها، أطروحة دكتوراه أُجيزت في جامعة الأزهر في السبعينيات تحت عنوان (جلال الدين الرومي بين الصوفية وعلماء الكلام) أُعيد طبعها اليوم مرّات عدّة بعد أن أمست تراثًا من تراث الجامعة الأزهرية ولم يعد يهتم بها أحدٌ حتى صاحبها الشيخ عناية الله إبلاغ لم يعد يكتب عن التصوف بعدها، وأيضا دراسة المستشرقة الفرنسية إيفا دوفيترى ميروفيتش عن (جلال الدين الرومى والتصوف) التى نُقلت إلى العربية بقلم عيسى على العاكوب. ودراسة أنّا ماري شيمل عن حياة الرومى وآثاره، ومؤخرًا طُبع كتاب عطاء الله تديّن الأديب الفارسى نظرًا لعنوانه الملبّى لرغبات القرّاء (بحثًا عن الشمس، من دمشق إلى قونية).

   
ونذكر في هذا السياق روايات وكتباً أخرى وجدت رواجاً كبيراً ببركات رواية "قواعد العشق الأربعون"، كونها كُتبت بتأثير هذه الرواية المميزة، وشخصية الرومي المتفردة، ومنها رواية "الرومي، نار العشق" للكاتبة الإيرانية نهال تجدّد، ترجمة خالد الجبيلي الذي ترجم رواية "قواعد العشق الأربعون"، في هذه الرواية كما يقول نذير ملكاوي "أسندت نهال تجدّد مهمّة روي الأحداث لحسام مدوّن أشعار الرومي، ليحكي في ثلاثة فصول (أو كتب كما أسمتها الكاتبة) عن علاقة الرومي بشمس التبريزي، وعن غياب شمس، وأخيرًا عن علاقته الشخصيّة بالرّومي".
              
ورواية "بنت مولانا" للروائية الفرنسية مورل مفروي، ترجمة محمد عيد إبراهيم، التي تتحدث عن الفتاة "كيميا" التي تربت في كنف جلال الدين الرومي، وزوجها لشمس التبريزي، الذي سرعان ما أعرض عنها فماتت. ورواية "حارس العشق الإلهي" للروائي والقاص أدهم العبودي. ورواية "سكرة في خمارة الرومي، رؤية الروح ووصايا العاشقين" لعبد اللطيف الحرز. وكتاب "الطريق إلى قونية" للدكتور خليل النعيمي في أدب الرحلة، ومجموعة شعرية بعنوان "رسائل إلى مولانا" للشاعرة اللبنانية سناء البنّا، وحوارية لطيفة طريفة نُشرت في جريدة النهار تحت عنوان "مولانا جلال الدين الرومي يتحدث افتراضياً إلى أسعد الجبوري: سقط شمس التبريزي في جسدي سقوطَ قضيبِ ذهبٍ في جوف فرن ملتهب"، وغيرها.
 
لامست الرواية أشواق الإنسان الروحية، وخاطبت وجدانه، بعد أن كبلته المادة، وجعلته عجلة الحياة التي لا ترحم، لاهثاً وراء سراب المال، فلم يجد إلا الشقاء والضياع.

كما عملت رواية "قواعد العشق الأربعون" على إعادة الاهتمام والدراسة والنشر والقراءة لكتب ومؤلفات جلال الدين الرومي دون استثناء ومنها: المثنوي، فيه ما فيه، المجالس السبعة، الديوان الكبير، الرباعيات، الرسائل وغيرها. ووجد كثير من الكتاب فرصة ذهبية للاهتمام وترجمة أشعار وتراث جلال الرومي، فصدرت مجموعة من الكتب، منها: "غربال الروح: مختارات من غزلياته ورباعياته"، ترجمة عاشور الطويبي. وكتاب "جلال الدين الرومي صائغ النفوس" لإحسان ملائكة. وكتاب "الله والإنسان عند جلال الدين الرومي" لهاشم أبو الحسن علي حسن. وديوان "مولانا جلال الدين الرومى: القصائد المُحرّمة"، ترجمة لمى سخنينى عن اللغة الإنجليزية. وكتاب "مختارات من قصائد جلال الدين الرومي" ترجمه تحسين عبد الجبار إسماعيل عن كتاب صادر باللغة الانجليزية يحمل عنوان "رومي الشعر والصوفية" لمؤلفه رينولد ريكنسون. وكتاب "جلال الدين الرومي، قامَرَ برأسِهِ كأنَّهُ الوردة" للشاعر السعودي عبد المحسن يوسف، وكتاب "هكذا تكلم جلال الدين الرومي" للكاتب محمد حامد، وغيرها كثير.

           

كما أثارت رواية "قواعد العشق الأربعون" شهية القراء والدارسين للتنقيب عن حياة شمس التبريزي، وهل هو حقيقة أم خيال، وعلاقته بالإسماعيلية، ومدى تأثيره على جلال الدين الرومي، وغير ذلك من التساؤلات التي أثارتها الرواية. بل إن تأثير الرواية انسحب أيضاً على مدينة "قونية" وتاريخها، ولا شك أن الحركة السياحية إلى هذه المدينة العريقة قد تضاعفت بعد صدور رواية "قواعد العشق الأربعون". وشمل تأثير الرواية المؤتمرات الأدبية التي تناولت شعر وحياة جلال الدين الرومي، ومهرجانات الإنشاد الصوفي، والمسرحيات المستوحاة من حياته، وبعض الأفلام الوثائقية، وأخيراً مشروع فيلم عالمي من إنتاج هوليود.

           
وثمة حقيقة ساطعة يجب ألا تُنسى، وهي أن كثيراً من الكتب والروايات التي نُشرت مؤخراً عن التصوف والصوفية وأعلام التصوف هي بتأثير من رواية "قواعد العشق الأربعون"، ليس لأن الرواية لا نظير لها إبداعياً، أو أنها معجزة عصرها، بل لأنها لامست أشواق الإنسان الروحية، وخاطبت وجدانه، بعد أن كبلته المادة وقيدت حركته، وجعلته عجلة الحياة التي لا ترحم أسيراً للعمل أو رب العمل، لاهثاً وراء سراب المال، فلم يجد إلا الشقاء والضياع.
         
وبعد… فإن بركات رواية "قواعد العشق الأربعون" شملت القراء والكتاب ودور النشر والمكتبات وتراث جلال الدين الرومي وتركيا عموماً ومدينة قونية على وجه الخصوص، ومن قبل ومن بعد "إليف شافاق" وجميع رواياتها، والأدب التركي أيضاً، وهذه البركات لم تحدثها رواية سابقة، ولعل مردَّ ذلك إلى أنها مرتبطة بشاعر صوفي إنساني إشكالي حظي باهتمام عالمي قديماً وحديثاً، كما ارتبطت بتاريخ مضطرب حافل، ومدينة تاريخية عريقة. إن رواية لها هذا التأثير التي تعجز عنه مؤسسات ومراكز دولية، رواية جديرة بالاحترام والتقدير، وأن توضع في مكانها الصحيح بعيداً عن دوافع الغيرة والحسد والتجني. فألف تحية لـ "إليف شافاق" التي فتحت باباً على مصراعيه، وتركته مشرعاً ليدخل من يشاء كيف يشاء متى شاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.