شعار قسم مدونات

الفعل الاحتجاجي ودوره في الإصلاحات السياسية بالمغرب

مدونات - حركة 20 فبراير المغرب احتجاجات مظاهرات

يملك النظام السياسي في المغرب قدرة كبيرة على التأقلم مع الحركات الاحتجاجية، بفعل العديد من العوامل المتمثلة في تجذره التاريخي، وتواجد الملك في قلب هذا النظام، الذي يحفظ له استمراره بفعل مشروعيته التاريخية والرمزية والدستورية. وتفاعلا مع الزلزال السياسي الذي حصل في المغرب، عقب إعفاء الملك تسعة وزراء في الحكومة السابقة، يمكننا العودة إلى احتجاجات حركة 20 فبراير، وربطها بالاحتجاجات الأخيرة في الريف لنستخلص ملاحظة أساسية، وهي الدور الأساسي الذي تقوم به الحركات الاحتجاجية في تحريك المسلسل الإصلاحي المغرب، حيث يمكن اعتبار الفعل الاحتجاجي "متغير مستقل" نتج عنه متغيرين تابعين هما "دستور 2011" الذي يعد من مخرجات حركة 20 فبراير، التي ساهمت في دفع النظام السياسي المغربي على إصدار الدستور، بغض النظر عن النقاش السائد حول مدى ديمقراطيته، والمتغير الآخر التابع للفعل الاحتجاجي هو "الزلزال السياسي" الذي حدث كرد فعل على احتجاجات الحسيمة التي أحدثت زخما من التفاعلات على المستوى الداخلي والخارجي.

 
وهذا ما سنحاول توضيحه بالوصف والتحليل وبمقاربة نسقية، منطلقين من الإشكالية التالية: ما تأثير الفعل الاحتجاجي على تحريك مسلسل الإصلاحات السياسي في المغرب؟

 

إن المقصود بالفعل الاحتجاجي هنا هو ذلك السلوك المنبثق من الحركات الاحتجاجية كمصدر لهذا الفعل، وهو عبارة عن موقف سياسي يسعى إلى دفع النظام السياسي إلى القيام بفعل أو عدم القيام بفعل معين، هذا الفعل توجهه العديد من المحددات المرتبطة بقيم المحتجين وثقافتهم السياسية، وهو الذي اعتبرته ذلك المحرك الأساسي لعجلة الاصلاحات السياسية في المغرب، وهو ما يوضحه "دستور 2011" الذي يعد من مخرجات احتجاجات "حركة 20 فبراير" التي انطلقت بعد رياح (الربيع العربي) الذي اجتاح المغرب وبين ارتباطه بمحيطه الإقليمي والدولي، وحاجته إلى الاصلاحات الفعلية لتجاور الأزمة التي لحقت باقي البلدان العربية، وهو الأمر الذي دفع بالملك محمد السادس، إلى التكيف مع هذه الاحتجاجات، الأمر الذي أدى إلى بروز دستور جديد رحبت به أغلبية الوسائط السياسية وشككت في ديمقراطيته بعض الفئات الشبابية المنتمية لحركة 20 فبراير.

 

 احتجاجات حركة
 احتجاجات حركة "20 فبراير" في المغرب (رويترز)

 
و لعب الفعل الاحتجاجي دورا آخر في القرارات التي حدثت بسبب "الزلزال السياسي" الذي أصاب المسؤولين في الحكومة السابقة، حيث أصدر الملك بمقتضى صلاحياته الدستورية التي يمنحها له الفصل 47 من دستور 2011، قرارا شمل إعفاء تسعة وزراء في الحكومة السابقة، وهم محمد حصاد "وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي"، الذي كان وزيرا للداخلية في الحكومة السابقة، ومحمد نبيل بنعبد الله، "وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة"، الذي شغل منصب وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، بالإضافة إلى الحسين الوردي، بصفته "وزيراً للصحة في الحكومة السابقة" إضافة إلى العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الذي تولى منصب المدير العام لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وتم إعفاء علي الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

 
هذا القرار يعد نتيجة مباشرة لحراك الريف، الذي أصبح حدثا دوليا بسبب متابعته من الإعلام الدولي ومواقع التواصل الاجتماعية التي نقلت أحداثه مباشرة عبر تقنية "المباشر" (LIVE) الجديدة، وتفاعل معه الفاعلون على المستوى الدولي خاصة خطاب ماكرون، الذي اعتبر خلال زيارته للرباط بأن "أوضاع الريف تقلق الملك، وبين بأن الملك أخبره بأن استجابته للمطالب ستكون قريبة" بالإضافة إلى الضغوط التي مارستها الجالية المغربية في الخارج.

 

كل هذه المتغيرات الداخلية والخارجية، تعامل معها المسؤول الأول في البلاد بطريقة إيجابية، حيث أعطى أوامره بفتح تحقيق من المجلس الأعلى للحسابات، الذي تم الارتقاء به إلى مستوى مؤسسة دستورية منذ دستور 1996، وتبويبه في الباب العاشر من دستور 2011، الذي نص في الفقرة الأولى من الفصل 147 على التالي "المجلس الأعلى للحسابات هو الهيأة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاله". ما أدى إلى فتح باب التحقيق، وتقديم المجلس للملك محمد السادس عبر رئيسه إدريس جطو تقريرا، تضمن نتائج وخلاصات اكتشفها المجلس حول برنامج الحسيمة منارة المتوسط المتعلق بالتنمية المجالية لإقليم الحسيمة الذي أعطى انطلاقته الملك منذ أكتوبر 2015، وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن انحراف الأهداف التي كانت مسطرة في البرنامج.

 

استجابة الملك للمطالب الاجتماعية يقوي دور الملكية على مختلف الفاعلين السياسيين، خاصة الأحزاب السياسية، التي فقدت مشروعيتها بفعل مشاكلها الداخلية وتركيزها على المصلحة الشخصية بدل خدمة المشترك
استجابة الملك للمطالب الاجتماعية يقوي دور الملكية على مختلف الفاعلين السياسيين، خاصة الأحزاب السياسية، التي فقدت مشروعيتها بفعل مشاكلها الداخلية وتركيزها على المصلحة الشخصية بدل خدمة المشترك
 

هذه الأحداث التي وقعت بموازاة مع احتجاجات الحسيمة، يمكن أن نستخلص من خلالها بأن الملك غير بعيد عن هموم ومشاكل المجتمع، ويدرك كل صغيرة وكبيرة تحدث في مناطق البلاد، والضامن لدينامية النظام السياسي المغرب، وهذا الأمر الذي يزيل اللثام عن التحليلات السطحية التي تقلل من دور الملك في النظام السياسي المغربي.

 

بالإضافة إلى ذلك، فاستجابة الملك للمطالب الاجتماعية يقوي دور الملكية على مختلف الفاعلين السياسيين، خاصة الأحزاب السياسية، التي فقدت مشروعيتها بفعل مشاكلها الداخلية وتركيزها على المصلحة الشخصية بدل خدمة المشترك، فالتصور السائد لدى مختلف الأفراد يبين التمثيلات السلبية التي يحملها الأفراد على الأحزاب السياسية الأمر الذي يؤدي إلى العزوف عن المشاركة السياسية، التي لا تؤدي إلى نتائج إيجابية للأفراد بفضل الخلل في وظيفة الأحزاب السياسي، والصراع بينها وبين الملكية التاريخي الذي أدى إلى تهميشها، بالإضافة إلى توفر الملكية على السلطة المادية والرمزية، والدعم الشعبي، الأمر الذي التي يجعلها فوق الحسابات السياسية.

 

وما ينبغي الإشارة إليه أخيرا هو أن الثقافة السياسية للأفراد تلعب دورا أساسيا في تحديد أفق التطلعات السياسية، فالمطالب السياسية التي تنتقل عبر وساطة الاحتجاجات تلعب دورا مهما في تحديد طبيعة المخرجات، وكلما كان المجتمع واعيا كلما حقق أهدافا عقلانية، ولا يمكن لأي منجزات سياسية من قبيل تحقيق الدمقرطة وتحقيق العدالة الاجتماعية أن تتحقق بدون تواجدها في قيم الأفراد واتجاهاتهم وتطلعاتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.