حاولت مرارا وتكرارا أن آتي برؤى جديدة للتقارب والتفاهم وهذا من شأنه أن يقلص مساحات الاختلاف والتنافر والتباغض الذي نعيش فيه. وحاولت كذلك توفير الكثير من الفرص للحوار وتبادل الآراء بين المثقفين والمبدعين الذي استوعبوا التغيرات التي يعيشها العالم وبين المسؤولين السياسيين وذلك لتقريب وجهات النظر حتى نعمل سويا ونضع قواعد موضوعية ونوفر مناخ ملائم يسمح لشعوبنا العربية التي تعيش حالة استثنائية بأن تسترجع بعضا من قوتها وكرامتها. فما جدوى أفكاري وخططي المستقبلية إذن؟ إن كانت ستقابل بالاستهزاء واللامبالاة!
ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮء ﻣﺜﻘﻔﺎ ﻓﻲ ﻭﻃﻦ ﻋﻘﻴﻢ ﻛﻬﺬﺍ؟ وطن لا يحترمني! ﻭﻃﻦ ﻻ ﻳﺠﻴﺪ ﺇﻧﺠﺎﺏ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﻳﺄﺑﻰ ﺗﺒﻨﻲ ﺃﺣﻼﻣﻨﺎ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻌﻘﺪﺓ |
إن المثقف هو الأسبق دائما في محاولة استشراف آفاق المستقبل، إنه يسبق في ذلك حتى السياسيين والمسئولين صاحبي القرار. الكاتب الكبير كافكا قال يوما ما مفاده أن رسالة المثقف -الكاتب تحديدا- هي أن يحول كل ما هو معزول ومحكوم عليه بالموت إلى حياة لا نهائية. أن يحول ما هو مجرد مصادفة إلى ما هو متفق مع القانون العام. إن رسالة الكاتب نبوية.
فما جدوى وجودي إن كنت سألعب دور المتفرج، أجلس في المقاهي أدخن وأشاهد بمرارة قنوات الأخبار وهي تبث أخبار شعبي وهو يدمر؟ من الذي همش دوري إلى هذه الدرجة؟ لمن عساي ألجأ؟ أسئلة كثيرة تلعب بقنة رأسي كما يفعل الخمر ولا أجد لها جوابا! ﺻﺪﻗﻮﻧﻲ ﺇﻥ ﻗﻠﺖ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺣﺮج كلما حاولت ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻌﻪ ﺃﻭ كلما حاولت ﺇﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ فيه. ﻓأﺟﺪ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻀﻄﺮﺍ إما لأن ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺇﻟﻰ مستواي وهذا مستحيل، ﺃﻭ ﺃﻥ ﺃﺗﻨﺎﺯﻝ ﺃﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭهذا ما لن أرضاه لنفسي كشخص يحترم عقله.
ولن أرضى كذلك أن أكون من المثقفين المزيفين الذين يتملقون الحكام ويدعمون آراهم وقراراتهم. فمن العيب أن أساند الطغاة وأتجاهل الملايين الذين يلوكون الخشب خبزا، ويسبحون في بحر من التهميش والذل. أمر كهذا قد يحد من حريتي في التعبير وهذا عبئ آخر أحمله فوق ظهري. الأمر مضحك جدا، العالم يقترب من نهايته وأنا لم أحظى بعد بحريتي في التعبير! وهنا أعود لأتساءل، ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮء ﻣﺜﻘﻔﺎ ﻓﻲ ﻭﻃﻦ ﻋﻘﻴﻢ ﻛﻬﺬﺍ؟ وطن لا يحترمني! ﻭﻃﻦ ﻻ ﻳﺠﻴﺪ ﺇﻧﺠﺎﺏ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﻳﺄﺑﻰ ﺗﺒﻨﻲ ﺃﺣﻼﻣﻨﺎ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻌﻘﺪﺓ.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.