شعار قسم مدونات

الملكية البرلمانية لا تحدث زلازل

blogs - ملك المغرب
لطالما نادت عدة أحزاب قبل وبعد دستور 2011 بالمغرب من أجل تنزيل ملكية برلمانية والحال دستوريا أن المغرب له نظام ملكي دستوري، والفصل الأول يتضمن أنه نظام ملكي دستوري، ديمقراطي، برلماني، اجتماعي. 

بعد متابعتي للأجواء السياسية في المغرب يظهر جليا أن غياب نخبة سياسية واعية برهانات مغرب اليوم وثابتة على مبادئها لا يسمح بإقامة ملكية برلمانية كتلك في إسبانيا أو إنجلترا. حيث يبقى للملكية دور حاسم في ضمان توازن المؤسسات والضامن لحقوق المواطنين عبر عدة صلاحيات تنفيذية ومجالس دستورية تسيرها.

ألقى ملك البلاد خطابا على نواب الأمة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية كما هو متعارف عليه كل سنة، لكن الجديد هو افتتاح الخطاب بتلاوة آيات من الذكر الحكيم كانت رسالة واضحة للمسؤولين المنتخبين يومئذ، من قوله تعالى ((وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ۞ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ)).

بعدها أعلن الملك أن الفترة الجديدة هي بداية مرحلة حاسمة، تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، والعمل على إيجاد الأجوبة والحلول الملائمة، للإشكالات والقضايا الملحة للمواطنين. حينها تم الإعلان عن زلزال سياسي اعتقد جل المغاربة أن هذا الخطاب لن يأتي بالجديد، بعد خطاب العرش شديد اللهجة. هذه المرة أعقب الخطاب إعفاءات واسعة لعدة جنرالات وقادة على مستوى الجيش وهو أمر نادر حدوثه إذا ما تحدثنا عن إعفاء لعدد كبير من العسكريين في نفس الفترة.

الملك له صلاحية ضمان توازن المؤسسات والسهر على تطبيق القانون. وهذا لا يعني أن الحكومة ليست لها صلاحيات لتدبير الشأن العام كما يعلن مرارا السيد عبد الإله بن كيران 
الملك له صلاحية ضمان توازن المؤسسات والسهر على تطبيق القانون. وهذا لا يعني أن الحكومة ليست لها صلاحيات لتدبير الشأن العام كما يعلن مرارا السيد عبد الإله بن كيران 
 

وأما الزلزال الذي حرك الميدان السياسي المغربي والذي رحب به المغاربة كإنصاف لحقوقهم المغيبة بسبب الاختلالات وضعف الحكامة؛ هو الإعفاء الجماعي لعدة وزراء ومسؤولين من الحكومة السابقة بسبب تأخر إنجاز مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" ويشرح بلاغ الديوان الملكي: "وفيما يخص الحكامة، وعلى سبيل المثال، فإن اللجنة المركزية للتتبع، المكونة من المسؤولين الوزاريين المعنيين، لم تجتمع إلا في فبراير 2017، أي حوالي 16 شهرا بعد توقيع الاتفاقية، في حين تبين عدم قدرة اللجنة المحلية للمراقبة والتتبع، التي يرأسها عامل الإقليم آنذاك، على تعبئة وتحفيز مختلف الشركاء، وعلى إضفاء الدينامية اللازمة لإطلاق المشاريع على أسس متينة".

من أبرز الأسماء التي تم إعفاؤها هو الوزير السابق للداخلية والوزير الحالي للتعليم السيد محمد حصاد، وهو الأمر الذي تم تفسيره من طرف المحللين السياسيين أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات بمعية إدارة المفتشية الترابية والمفتشية المالية قد أبانت على ضعف على مستوى التدبير والتنسيق بين الفاعلين.

هي تفاصيل تجدونها على كل الجرائد والمواقع اليوم، لكن ما لفت نظري التدخل الدستوري لملك البلاد بموجب الفصل 47 يؤكد على ضرورة احترام قانون البلاد من طرف كافة المؤسسات، أي أن الملك له صلاحية ضمان توازن المؤسسات والسهر على تطبيق القانون.

لكن هذا لا يعني أن الحكومة ليست لها صلاحيات لتدبير الشأن العام كما يعلن مرارا السيد عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة السابقة، أن الملك رئيس البلاد ورئيس الحكومة ينفذ الأوامر. ربما جزء تنفيذ الأوامر لم ينجح فيه بعض المسؤولين ناهيك عن تسيير الحكومة ومجالس الجهات وتفعيل مقتضيات الجهوية الموسعة التي وردت في دستور 2011.

كل الدول الديمقراطية شهدت مراحل زلازل سياسية واصطدام صلاحيات مؤسساتها، لهذا فالمغرب بملكيته الدستورية يخطو على نهج ثابت قوامه استحضار قانون البلاد وتفعيل آلياته بحكامة واعية رشيدة تجعل المسؤول المعين والمنتخب يفكر عدة مرات قبل التهاون عن اخذ اي قرار يخدم المواطن.

ربما الخطوة المقبلة قد تهم اقتصاد الريع فيباشر البرلمان بمساءلة أصحاب مقالع الرمال ورخص الصيد في أعالي البحار، ولكن هذا يحتاج التفاف الشعب حول ملكه لأن كل زلزال له موجات ارتدادية، ولعل موجات الخارج يؤرقها مسار المغرب الديمقراطي وتزعجها مشاريع الطاقة الشمسية وجلب الاستثمارات الكبرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.