شعار قسم مدونات

عرس الديمقراطية الفاشل

blogs انتخابات
تتغنى بعض الدول العربية بوجود ديمقراطيات عريقة على أراضيها وتنشر عبر الإعلام الأحداث الساخنة التي تدور تحت قباب برلماناتها، واختلاف الرأي الذي يصل أحيانا إلى حد التضارب واستخدام الأدوات المتوافرة، والأسلحة إذا أمكن، لإقناع الآخر أو لإسكاته، لكن المؤسف أن معظم هذه الديمقراطيات ما هي إلا ادعاء بعيد عن الحقيقة، وديكور مزيف يوضع للزينة فلا يزين، أو مكياج لعجوز شمطاء يخفي الحقيقة ولا يصلح ما أفسد الدهر.
فلماذا تكون أعراس الديمقراطية في البلاد العربية زائفة؟ لماذا ينتهي هذا العرس الديمقراطي بطلاق صامت غالبا أو طلاق بائن أحيانا؟ في مقالي هذا سأبحث في الماضي والحاضر في بطون الكتب وفي صدور الرجال لعلي أصل للأسباب على أن أتبعه بمقالين آخرين إن شاء الله يتحدث الأول عن الحلول لتفادي هذا الطلاق والثاني عن دور الأفراد في المجتمعات العربية لتجاوز هذه المحنة.

إن السبب الأول الذي يجعل الديمقراطية فاشلة في دولنا العربية هو الإرث الأسود للأنظمة العربية، فالحكومات العربية حكومات قامت على أشلاء الدولة العثمانية، وما زال العرب يحملون عقدة الذنب في أنهم من أفسدوا الخلافة وقطعوا أوصال الوحدة الإسلامية، وهذا ادعاء صحيح ولو قيل إن المصلحة العامة كانت الموجه في تلك المرحلة.

الإسلام صالح لكل زمان ومكان، فكيفما وصل إلى سدة الحكم قائد واتبع محددات الشرع واحتكم إلى ذلك الدستور الدقيق الحكيم العادل كان على بينة من ربه وقبل الله منه
الإسلام صالح لكل زمان ومكان، فكيفما وصل إلى سدة الحكم قائد واتبع محددات الشرع واحتكم إلى ذلك الدستور الدقيق الحكيم العادل كان على بينة من ربه وقبل الله منه
 

فالدولة العثمانية المريضة في آخر أيامها أهملت العالم العربي وظلمته حقيقة، ولكن ذلك كان بفعل طغمة فاسدة حكمت في تلك الفترة وكان رد العرب الانتقامي من الدولة العثمانية هو الارتماء في أحضان المستعمر واللجوء إلى قواه لتحرير أوطانهم، مما جعل فعلهم هذا أسوأ وأبقى أثرا على مدى قرون، واستعمرت بلادهم وقسمت بفضل هذه الغلطة، وحين انتبه العرب لفداحة المصيبة قدمت لهم دول الاستعمار الديمقراطية على أنها الحل السحري لمشاكلهم، وعلل شعوبهم، ولتنسي العالم العربي هذه الوصمة في جبينه وأنى لها!

وهذا يشير ضمنيا إلى السبب الثاني والذي تصر الديمقراطية على أنه عدو لها ولو هادنته في بعض المراحل أو تقنعت بدثاره أحيانا، ألا وهو الحكم بالشريعة الإسلامية، لقد اكتفى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بوضع أطر عامة وحدود مرسومة بدقة للحكم الإسلامي، ولكن الشريعة لم تضع شكلا واضحا محددا للحاكم المسلم.

فالعدل أساس شرعي والإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، والشورى أساس مهم، والحدود والقصاص منظمة واضحة تضع دستورا ربانيا شاملا لكل مناحي الحياة، إما بالنص الشريف أو بالقياس عليه، ولكن من الذي يقيم العدل؟ من الذي يقود الشورى؟ ومن يشرف على تطبيق الحدود؟ هل يمكن أن يكون رئيسا منتخبا؟ أو خليفة ورث الخلافة؟ أو إماما اختاره أهل الحل والعقد؟

قادة تربوا في الغرب أو على نمطه، وهم فاسدون مفسدون يعرفون أن الديمقراطية لو نجحت ستكشف عيوبهم وتظهر مخازيهم، وهم ليسوا على استعداد للمصارحة الشعبية

ونتساءل لماذا لم يضع الله لنا شكلا واحدا ونتبعه؟ إن الله الحكيم العليم السابق حكمه وعلمه يعلم أن ظروف البشر مختلفة، والإسلام صالح لكل زمان ومكان، فكيفما وصل إلى سدة الحكم قائد واتبع محددات الشرع واحتكم إلى ذلك الدستور الدقيق الحكيم العادل كان على بينة من ربه وقبل الله منه عمله والله أعلم، ولأن أهل الديمقراطية يعلمون أن الإسلام لديه هذا الدستور السماوي الذي ينهج نهجا موازيا لنهج الديمقراطية ولا يتقاطع معها أو يهادنها حاربته وانكفأت عليه لتثبت أن الديمقراطية هي الثوب الوحيد الذي يحترم الإنسان ويراعي مصالحه، ولم تنتبه أن الديمقراطية كفلسفة تناقض بعضها وتأكل أطرافها وتجد كل فترة لها منظرا يدعو إلى تعديل أو تصحيح والتاريخ خير شاهد.

ويقودنا ذلك إلى السبب الثالث وهو الإرادة العليا، وأعني بها إرادة الفئة الحاكمة في الدول العربية حاليا، وهذه الإرادة نابعة من مصدرين، الأول قادة جيدين ووطنيين لكنهم مغلوبين على أمرهم بحكم العولمة والسيطرة الاستعمارية على العالم، فهم في الحقيقة قيادة شكلية لذراع من أذرع الاستعمار عامة، والأمريكي خاصة، ولا بأس لو أطلقنا على بعض هذه الدول الولاية رقم كذا من الولايات المتحدة الأمريكية -إذا قبلت أمريكا بذلك- وهؤلاء ولو أنهم في ذواتهم قادة جيدين إلا أن قبولهم باستلاب إرادة شعوبهم منهم وضعهم في الدرك الأسفل من الانحطاط.

وهؤلاء لا يصدرون عن أوامر سادتهم الذين ينظرون إلى مصالح بلادهم الذاتية، فإن رأوا أن شكلا من أشكال الديمقراطية في هذا البلد يخدم أجندتهم أمروا القيادات فيها بتطبيقه، وإن رأوا غير ذلك دعموا دكتاتورياتهم، ولو على حساب الشعب، وربما تركوا القادة يتخبطون بين هذا وذاك في حركات تهز جذور الأوطان وتحطمها، بينما يجمعون هم الثمر المتساقط.

والمصدر الثاني، قادة تربوا في الغرب أو على نمطه، وهم فاسدون مفسدون يعرفون أن الديمقراطية لو نجحت ستكشف عيوبهم وتظهر مخازيهم، وهم ليسوا على استعداد للمصارحة الشعبية ولا قادرين على التخلي عن مكاسبهم الشخصية في سبيل الشعب، وهم منافقون يخرجون بأزياء التدين نهارا ويلحقون آخر الليل بموبقات هذا الدين وأعدائه، وديمقراطيون يفتتحون صناديق الاقتراع في أول اليوم ويبعثون من يزور النتائج آخره. ومستنيرون يستوعبون جميع الأفكار والمعتقدات والانحرافات ويسجنون من لا يروق لهم فكره أولا يريحهم سمته.

وهؤلاء في رأيي أهون من المجموعة الأولى، فالعجز والسذاجة أخطر وأمر من الملائكة الشياطين الذين تعودت الشعوب على ألاعيبهم فباتوا مكشوفين تنتظر الشعوب من يعلق الجرس لتلحقه وتفضحهم.
 * في الجزء الثاني أسباب أخرى مهمة تكمل المنظومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.