شعار قسم مدونات

عبد الله العروي وأزمة الضمير العربي

blogs - عبد الله العروي
الطابع الغالب على كل المفكرين العرب، هو طابع أيديولوجي، وهذا أمر طبيعي ما دامت الحضارة العربية الإسلامية تعيش تخلفا وتسعى من خلال مفكريها إلى بلورة مشروع فكري وسياسي، يبلور النهضة العربية المنشودة التي بدأت تهيمن على تيارات الإنتلجنسيا العربية منذ القرن التاسع عشر، من خلال صدمة الحداثة التي تشكلت في الضمير الشرقي، بعد اصطدامه بالغرب الأوروبي المتقدم.

وقد كان القرن العشرين بؤرة لصراع أيديولوجي فرضته الظرفية التاريخية التي كان يمر منها العالم آنذاك، لذلك لم يسلم المثقف العربي من الانخراط في بلورة مشاريع فكرية، هاجسها الأساس التحرر من نير الاستعمار وبناء الدولة الحديثة. لذلك نجد هذا الطابع الأيديولوجي الذي هيمن على جل الكتابات الفكرية العربية.

وفي سنة 1967 تلقى العرب صدمة ثانية بعد انهزامهم أمام إسرائيل، وفي نفس هذه السنة سينزل إلى الساحة الثقافية العربية كتاب كان هدفه هو نقد الأيديولوجيات التي كانت سائدة ومحاولة التأصيل لأيديولوجية تفهم الواقع وتغيره وتحقق الحداثة المنشودة. هذا الكتاب هو "الأيديولوجية العربية المعاصرة" للمفكر المغربي عبد الله العروي، الذي وجه نقدا شاملا لكل الأيديولوجيات التي كانت سائدة. الأيديولوجية السلفية اللاعقلانية، والتقنوية الليبرالية والماركسية غير التاريخانية.

من جملة المفاهيم المهمة في فكر العروي، مفهوم الثورة الثقافية، وهي ثورة عقلية في الأساس يجب أن يضطلع بها المثقفون، من أجل نقد الثقافة التقليدية وتأسيس نظرة جديدة تتصالح مع العالم
من جملة المفاهيم المهمة في فكر العروي، مفهوم الثورة الثقافية، وهي ثورة عقلية في الأساس يجب أن يضطلع بها المثقفون، من أجل نقد الثقافة التقليدية وتأسيس نظرة جديدة تتصالح مع العالم
 

دعا العروي في المقابل إلى تأسيس مشروع يتأسس على استيعاب ضروري لبعض مكتسبات الليبرالية، وهو ما سماه في كتابه الثاني الذي حمل عنوان "أزمة المثقفين العرب" بـ"الماركسية التاريخانية"، ما يتطلب في نظره القطع مع الماضي والتراث الفقهي الذي لم يعد ملائما للعصر. بعد هذا النقد الذي وجهه لتيارات الفكر العربي المعاصر. سيبدأ في إصدار كتب متتابعة حول النقد الأيديولوجي والتأصيل المفاهيمي من أجل رفع اللبس وسوء الفهم فيما يتعلق ببعض المفاهيم التي يساء فهمها لدى المثقف العربي منها "مفهوم الأيديولوجيا"، "مفهوم الحرية"، "مفهوم الدولة" مفهوم "التاريخ" وأخيرا مفهوم "العقل" الذي أعلن فيه عن مفهوم القطيعة مع التراث، ومع عقل المطلقات. وبعدها سيصدر كتبا أخرى كلها تتمة لمشروعه الفكري. بالإضافة إلى أعماله النثرية الروائية التي لا تخرج عن نفس المنحى وهو تأصيل الحداثة والمعاصرة.

كل خروج إعلامي "للمفكر الصامت" كما يلقبه البعض هو بمثابة حدث ثقافي كبير، خاصة حينما يحتاج المتتبعون إلى سماع آرائه حول القضايا المجتمعية الراهنة التي تمس ثقافة المجتمع وسياسته. وقد كان خروجه الإعلامي الأخير، محطة لسماع بعض مواقفه من بعض القضايا الراهنة، وخلال هذا اللقاء لم يخرج عن مواقفه السابقة خاصة فيما يتعلق بضرورة الفصل بين الدين والدولة. وضرورة تأسيس الحداثة على المشترك الإنساني والانخراط فيه، وبذلك القطيعة المنهجية مع الماضي ومع التراث، حيث اعتبر التراث ليل الثقافة، وبالمقابل الانخراط في الحداثة الكونية، باعتبارها تعبر عن تدبير شؤون المجتمع وتتأسس على المصلحة.

لذلك نراه يراهن كثيرا على دور الدولة، في تأسيس هذه الحداثة، لذلك أكد على أن المثقف العربي، سار على نهج المثقف الفرنسي الذي عرف تاريخيا بعدائه للدولة. أما فيما يتعلق بنزعة الأصالة التي تدعو إلى ضرورة العودة للماضي، فقد اعتبر أن ذلك غير ممكن وليس في صالح المجتمع، فقد يكون ذلك نافعا على مستوى البيت لكن على مستوى تدبير الشأن العام فهو غير مجد. لذلك نجده يضرب المثال بالدول التي دخلت إلى الحداثة رغم تأخرها التاريخي، مثل اليابان وتركيا والصين. فالياباني محافظ على تقاليده في البيت لكن في ما يتعلق بالاقتصاد والسياسة فهو منخرط في المعاصرة والحداثة.

إن أهمية أطروحات المفكر المغربي عبد الله العروي تزيد أهميتها يوما بعد يوم، خاصة مع توالي الأحداث التاريخية التي تؤكد على ضرورة القطع مع العنف ومع المشاريع الدينية اللاعقلانية التي لا تفهم الواقع التاريخي بعمق. ومن جملة المفاهيم المهمة في فكر العروي، مفهوم الثورة الثقافية، وهي ثورة عقلية في الأساس يجب أن يضطلع بها المثقفون، من أجل نقد الثقافة التقليدية وتأسيس نظرة جديدة تتصالح مع العالم، ومع التاريخ وتقطع مع الفهم الموروث واللاعقلاني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.