شعار قسم مدونات

هل يتقلص نفوذ فرنسا في القارة السمراء؟

مدونات - ماكون في إفريقيا
لغط واسع واحتدام كبير ذاك الذي تعيشه الساحة السياسية الأفريقية قُبيّل التئام قمة الاتحادين الأوروبي والأفريقي الخامسة المزمع عقدها بأبيدجان الإيفوارية في أواخر نوفمبر القادم. يأتي الاحتدام من قيمة الرهان، فالاتحاد الأوروبي يمثل شريكا من الدرجة الأولى بالنسبة للقارة السمراء كما أن النظرة التاريخية المحمّلة بمشاعر التجريم والمسؤولية ما زالت تحدد نظرة الكثير من الأفارقة تُجاه أعضاء وازنين في التكتل الأوروبي.

ومع التحولات الجيوبوليتيكية الحاصلة في العالم وفي أفريقيا بشكل خاص وتعاظم التعاطي الأمني الذي استحوذ على المشهد في أغلب مناطقها، فإنه لا مناص من الاستنجاد بالمتراس الأوروبي الساعي كذلك إلى احتواء الألغام الأمنية التي تحيط به عبر التنسيق والتعاون وفق منطق الهيمنة مع الجانب الإفريقي.

لكن الطريق إلى قمة الكوت ديفوار يشهد تجاذبات صارخة إلى حدّ اعتقاد الكثير بأن القمة ستُلغى وفي أحسن الأحوال ستُؤجل.

بداية بالاسم
"الاتحاد الأوروبي- أفريقيا" هو الاسم القديم والذي ظل يتصدر طيلة أربع قمم شراكة "الاتحاد الأوروبي- الاتحاد الأفريقي"، لكن المنظمة الأفريقية ارتأت هذه المرة تغيير الاسم ليُساوي بين التكتليّن فيما قد يُفهم بمحاولة لخلق نديّة غائبة بين الجانبين وكذا محاولة تثبيت صوت التكتل الأفريقي النامي والذي أخذ منذ تجديد عباءته في بداية الألفية الثالثة في اكتساب قيمة قابلة للنمو أكثر في المشهد العالمي، لكن السبب الأكثر إلحاحا في تغيير الاسم هو محاولة الأفارقة فرض مقعد الجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف واحد من قبيل جبهة البوليساريو عام 1976 والعضو المؤسس للاتحاد الأفريقي أمام الشركاء الأوروبيين.

حاول الوفد المغربي بقيادة وزير خارجية منع وفد البوليساريو من ولوج قاعة المؤتمرات شهر (أوت /أغسطس)الفارط، لكن السلطات الموزمبيقية تدخلت ومنعت الوزير المغربي والوفد المرافق له من ولوج القاعة
حاول الوفد المغربي بقيادة وزير خارجية منع وفد البوليساريو من ولوج قاعة المؤتمرات شهر (أوت /أغسطس)الفارط، لكن السلطات الموزمبيقية تدخلت ومنعت الوزير المغربي والوفد المرافق له من ولوج القاعة
 

فقد زار وفد هام من المفوضية الأفريقية بروكسل في سبتمبر الفارط وأصرّ على تغيير اسم القمة بحجج مقبولة ومقنعة من قبيل أن التكتل الأفريقي أصبح ممثلا بكل الدول الأفريقية عقب انضمام المملكة المغربية إليه، كما أن الاسم القديم يوحي بفوقية تذكر بأيام الاستعمار الخوالي الذي كان يرى في أفريقيا بقرة جغرافية حلوب وأنها فاقدة لأهلية رصّ الصفوف في تنظيم مؤسسي محكم. وبعد نجاح الخطوة وتغيير اسم القمة رغم المساعي الفرنسية لإجهاضها اتجهت الأنظار نحو دولة الكوت ديفوار والتي من المزمع أن تتشرف باحتضان القمة، وانتظر الجميع طريقة تعامل نظام الحسن وتارا مع مسألة توجيه الدعوات التي تمثل السبب الرئيس في الاحتدام الحاصل.

كوت ديفوار التي تدعم المغرب في مشاريعه بإقليم الصحراء الغربية وجهت الدعوة بحلول شهر أكتوبر إلى 54 دولة عضو في الاتحاد لكنها استثنت الجمهورية الصحراوية تماهيا مع رغبات المغرب وتنفيذا لتوجيهات فرنسا التي تدعم بقوة المغرب في الصحراء. وبزيارة وزير خارجية فرنسا جان لودريان منذ أيام للرباط والتي أدلى خلالها بتصريحات عن منطقية استثناء الأعضاء الذين لا يمثلون دولة ذات سيادة من المشاركة في القمة تأكدت التحركات الفرنسية الحثيثة الرامية إلى تقويض شراكة متعددة الأطراف.

الحسم
أمام التطورات الحاصلة وتحركات الحلف المدافع عن مغربية الصحراء الغربية، مضى الحلف الأفريقي الداعم لجبهة البوليساريو في تنفيذ الخطوة الثانية من الخطة المعدّة سلفا، وفي اجتماع استثنائي للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي منتصف شهر اكتوبر الجاري، تقدمت جنوب أفريقيا إحدى الدول البارزة في التكتل القاري بمشروع قرار وافق عليه المجلس الذي دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجديد "موسى فكي" إلى تكثيف المشاورات قصد إيجاد مخارج للوضعية الراهنة وأمهل دولة كوت ديفوار 10 أيام لتوجيه دعوة رسمية إلى الجمهورية الصحراوية وفي حال انتهاء الآجال المحددة دون حصول أي تقدم يذكر في مسألة توجيه الدعوات فقد أمر المجلس رئيس المفوضية بإبلاغ الاتحاد بالسحب الفوري والآلي لتنظيم القمة من أبيدجان ونقلها إلى مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا الإثيوبية.

المأزق الإيفواري
لقد استند قرار المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي إلى مقررات دورته العادية في قمة جوهانسبورغ جويلية 2015 والتي تمثل نقطة تحوّل بارزة في علاقة جبهة البوليساريو بالتنظيم الأفريقي إذ أوثقت الصلة بين الجمهورية الصحراوية وهياكل الاتحاد الأفريقي وخرجت بقرارات كبيرة صدمت المغرب الذي بدأ يفكر جديا في الانضمام إلى التكتل مذ تعيين الاتحاد الأفريقي سنة 2014 لمبعوث خاص له إلى الصحراء الغربية متمثلا في الرئيس الموزمبيقي السابق خواكيم شيصانو. ومع انتشار صدى رغبة المغرب في الانضمام احتاط الحلف الداعم للبوليساريو داخل أروقة الاتحاد وسنّ قرارات هامة للغاية في قمة جوهانسبورغ الفارقة، ومن مجمل ما سنّه المقرر 942 القاضي بضرورة مشاركة جميع الأعضاء في اجتماعات الاتحاد وشراكاته وأن أيّ دولة لا تلتزم بذلك تُحرم مباشرة من شرف الاحتضان.

إذا حضرت البوليساريو قمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، ممثلة للجمهورية الصحراوية، فإن ذلك يمثل هزيمة نكراء للدبلوماسية الفرنسية 
إذا حضرت البوليساريو قمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، ممثلة للجمهورية الصحراوية، فإن ذلك يمثل هزيمة نكراء للدبلوماسية الفرنسية 

بعد أكثر من عامين تبدو الكوت ديفوار العضو الأول المهدد بالتعرض للعقوبات الأفريقية ذات الصلة، إذ يبدو أحلى خيار لها بطعم المرارة، لكن أغلب الظن أن نظام الحسن وتارا سيُذعن للأمر الواقع بإرشاد من الدول الفرنكفونية الكبرى في المنطقة كالسنغال، والتي سيتحرك فيها نظام "ماكي صال" مدفوعا بمصالح كبيرة في تنظيم القمة بأبيدجان وتفادي نقلها إلى أديس ابابا وتوجيه دعوة للجمهورية الصحراوية، ذلك أن التفريط في عقد قمة وازنة ومأمولة كهذه يعني إهدار دور هام كانت ستضطلع به الكوت ديفوار في قمة تروم من ورائها إلى حشد الدعم السياسي والاقتصادي اللازم لها بعد انقضاء عامين من عهدة الرئيس وتارا الثانية.

كما أن فرض العقوبات الأفريقية سيجعلها تفقد مصداقية احتضان الاجتماعات أمام الشركاء الأفريقيين مستقبلا. لكن الأكيد أن الكوت ديفوار ستسعى إلى طمأنة المغرب وستلجأ إلى حياكة سيناريو الحصار والتضييق والتهميش بحق الضيف الصحراوي في أروقة القمة، وقد تنزلق الأمور إلى حدّ تكرار وقائع المؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية أفريقيا "تيكاد" المنظم في شهر (أوت/أغسطس) الفارط في مابوتو أين حاول الوفد المغربي بقيادة وزير الخارجية منع وفد البوليساريو من ولوج قاعة المؤتمرات لكن السلطات الموزمبيقية تدخلت ومنعت الوزير المغربي والوفد المرافق له من ولوج القاعة، وفي وقت لاحق أصدرت حكومة الموزمبيق بيانا أدانت فيه بشدة سلوكات المغرب في القمة.

الأمر وإن سار على هذا النحو، وحضرت البوليساريو القمة ممثلة للجمهورية الصحراوية، فإن ذلك يمثل هزيمة نكراء للدبلوماسية الفرنسية ويؤكد أن النفوذ الفرنسي في القارة السمراء يتوقف عند الحدود الجنوبية للدول الفرنكفونية، مما يعني أنها ستحاول جاهدة تقزيم حجم الهزيمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.