إذا أردت أن يكون هناك ميدان للتحرير فيجب أن يكون عندك المقدرة على انتزاعه والحفاظ عليه لأنك إذا ذهبت إليه ستجد لافتة معلقة على بوابته تقول: عفواً الميدان مغلق |
أما ثاني الأوهام الثورية "ثورة الجياع" وهذه فكرة شائعة بين عموم الثوار أن الأزمات الاقتصادية والمعيشية للمجتمع ستدفع عموم الجماهير إلى الثورة على الحاكم الذي لم يحقق له الرخاء الاقتصادي، وفي الواقع هذا الوهم يمكّن الطغاة من إدارة الدولة إذ كلما حدثت أزمة اقتصادية يستدين، ويتبع الاستدانة التفريط في مقدرات الدولة. أما على المستوي الأمني فيساعده في فرض قبضته الأمنية وقمع الحريات أكثر وأكثر، فعموم الجماهير إذا جاعت تنحرف وتلجأ إلى الحصول على الخبز بطرق غير قانونية وهنا تعمل الدولة على تنمية عدد كبير من سارقي أقوات الشعب ويكونون عوناً وسنداً لها مقابل الخبز، وتختار الجزء الأضعف من الجماهير الذين يسرقون كسرة الخبز وتتعامل معهم بعنف شديد ويكونون تكأة لنشر الظلم والقهر بين عموم الجماهير.
والجوعى إن كانوا سيثيرون أو عندهم المقدرة على الثورة فلن يجوعوا من الأساس ولن ينتظروا حتى تضغط الحاجة عليهم وتدمر حياتهم ليطالبوا بحقوقهم في حياة كريمة. يعلم الطغاة جيدا أن أغلب الثوار ينتمون للطبقة الوسطى التي عندها المقدرة على الارتقاء بحياتها الشخصية ويمكن أن يكون لها طموح سياسي يهدد من يخطفون الشعب ومقدراته، فهم يتقنون أعمالهم ولديهم من الأفكار ما يستطيعون بها الارتقاء بأوطانهم، لذلك فهم هدف لكل حكم شمولي أن يقضي على هذه الطبقة من الجماهير التي تملك المقدرة على التغيير ولديها المفتاح لحل المشاكل المجتمعية والفكرية، فارتباطهم بالأرض التي نبتوا فيها تجعلهم أكثر وفاء من النخبة الحاكمة التي لديها خزائنها الممتلئة وطائراتها الخاصة التي تنقلها لأى مكان في العالم إذا شعروا بالخطر أو لم يجدوا الحياة الرغدة التي يتمتعون بها داخل بلدهم ـ إن كانت بلدهم ـ لذلك "فثورة الجياع" مفهوم يقضى على الثورة ولا يقويها. والجياع ينحرفون ولا يثورون.
فإذا أردت أن تستغل الفشل الاقتصادي عليك أن تعطي للجماهير خطوات وأدوات اقتصادية ثورية تساعد في بناء الثورة وقدراتها ، وليس معاقبة عموم الجماهير. كما أن التقارير الدولية يجب أن توظف في إطارها، ويجب اقناع المجتمع الدولي أن من تتمسكون به سيقضي على مصالحكم، وقتها تخاطب الثورة المجتمع الدولي بلغة الند وليس بلغة المظلومية والانكسار. فالإنسان غير الغربي عند الساسة في المجتمع الدولي قيمته منخفضه، هذا إذا كانت له قيمة من الأساس. وإذا أردت أن يكون هناك ميدان للتحرير فيجب أن يكون عندك المقدرة على انتزاعه والحفاظ عليه لأنك إذا ذهبت إليه ستجد لافتة معلقة على بوابته تقول: عفواً الميدان مغلق.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.