شعار قسم مدونات

الأوهام الثورية

Blogs-egypt
"ميدان التحرير موجود" وهم ثوري قاد الثورة المصرية إلى الهاوية، وأعطى الفرصة كاملة للثورة المضادة للقضاء على الثورة وأدواتها. المقصود بهذا الوهم أن الشعب أصبح يملك مقدراته بيده وأنه قادر على تقويم من في السلطة في أي وقت دون فرق بين من جاء عبر الأدوات الديمقراطية معبراً وممثلا للثورة، ومن جاء على ظهر دبابة يدهس بها كل من يقف أمامه من جموع الثوار وعموم الجماهير. 
        
هذا هو الوهم الأول الذي يجب أن يتخلص منه الثوار إذا أرادوا أن يُكتب لثورتهم النجاح، وهو عدم التغيير في المدخلات الثورية، إذا كان التحرير موجودا في مرحلة من عمر الثورة فمن الطبيعي جدا لمن يعمل على إجهاض هذه الثورة وخطف الدولة وإعادتها إلى مربع العبودية أن يغلق ميدان التحرير، بل كل ما ساعد وأدى إلى نجاح بعض خطوات الثورة: ميدان التحرير، قليل من الحريات، أيقونات ثورية، حتى وإن كانوا بعض الرموز الكاذبة للثورة، يجب عليه أن يقضي عليهم ويؤكد لهم أن دوركم انتهى ولسنا في حاجة إليكم بعد ذلك. إذا كانت هناك فرصة لنجاح الثورة في وقت ما فتأكد أن هذه الفرصة سيتم القضاء عليها، والمطلوب هو خلق فرصة جديدة تستطيع فعلاً أن تتقدم بثورتك إلى الأمام.
     
إذا أردت أن يكون هناك ميدان للتحرير فيجب أن يكون عندك المقدرة على انتزاعه والحفاظ عليه لأنك إذا ذهبت إليه ستجد لافتة معلقة على بوابته تقول: عفواً الميدان مغلق

أما ثاني الأوهام الثورية "ثورة الجياع" وهذه فكرة شائعة بين عموم الثوار أن الأزمات الاقتصادية والمعيشية للمجتمع ستدفع عموم الجماهير إلى الثورة على الحاكم الذي لم يحقق له الرخاء الاقتصادي، وفي الواقع هذا الوهم يمكّن الطغاة من إدارة الدولة إذ كلما حدثت أزمة اقتصادية يستدين، ويتبع الاستدانة التفريط في مقدرات الدولة. أما على المستوي الأمني فيساعده في فرض قبضته الأمنية وقمع الحريات أكثر وأكثر، فعموم الجماهير إذا جاعت تنحرف وتلجأ إلى الحصول على الخبز بطرق غير قانونية وهنا تعمل الدولة على تنمية عدد كبير من سارقي أقوات الشعب ويكونون عوناً وسنداً لها مقابل الخبز، وتختار الجزء الأضعف من الجماهير الذين يسرقون كسرة الخبز وتتعامل معهم بعنف شديد ويكونون تكأة لنشر الظلم والقهر بين عموم الجماهير.
 

والجوعى إن كانوا سيثيرون أو عندهم المقدرة على الثورة فلن يجوعوا من الأساس ولن ينتظروا حتى تضغط الحاجة عليهم وتدمر حياتهم ليطالبوا بحقوقهم في حياة كريمة. يعلم الطغاة جيدا أن أغلب الثوار ينتمون للطبقة الوسطى التي عندها المقدرة على الارتقاء بحياتها الشخصية ويمكن أن يكون لها طموح سياسي يهدد من يخطفون الشعب ومقدراته، فهم يتقنون أعمالهم ولديهم من الأفكار ما يستطيعون بها الارتقاء بأوطانهم، لذلك فهم هدف لكل حكم شمولي أن يقضي على هذه الطبقة من الجماهير التي تملك المقدرة على التغيير ولديها المفتاح لحل المشاكل المجتمعية والفكرية، فارتباطهم بالأرض التي نبتوا فيها تجعلهم أكثر وفاء من النخبة الحاكمة التي لديها خزائنها الممتلئة وطائراتها الخاصة التي تنقلها لأى مكان في العالم إذا شعروا بالخطر أو لم يجدوا الحياة الرغدة التي يتمتعون بها داخل بلدهم ـ إن كانت بلدهم ـ لذلك "فثورة الجياع" مفهوم يقضى على الثورة ولا يقويها. والجياع ينحرفون ولا يثورون. 
      

"المجتمع الدولي وحقوق الإنسان"، وهم آخر يركن إليه الكثير ويتعاملون معه كنصر كبير يجب اقتناصه. فكلما أدنت النظام الشمولي الحاكم كان هذا ضغطاً على هذا النظام، وهنا أشعر أن نظارة صاحب هذا الوهم بعدسة واحده، ويحتاج إلى عدسته الثانية ليرى الأمور بشكل أوضح. هل يوجد نظام شمولي قمعي دكتاتوري متخلف لا يحكم إلا بترتيب ومباركة من المجتمع الدولي؟! هل ما فعله نظام مبارك والقذافي والأسد وبن على خلال عشرات السنين كان خافيا عن المجتمع الدولي؟  هل المذابح في الميادين والكيماوي داخل البيوت وبين الأطفال المساكين وقعت بعيدا عن نظر المجتمع الدولي؟ لم يتمتع حاكم في المنطقة بحكمه إلا بترتيب ومباركة من المجتمع الدولي، ولا تظن أن الإدانات الحقوقية التي تحدث الآن من أجل المجتمعات المظلومة أو المقهورة بل إن هذه التقارير تستهدف في المقام الأول الجماهير في الدول التي تصدر عنها هذه التقارير حتى يقولوا لمواطنيهم: نحن قمنا بما علينا، وأدنا قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، ونحن شعب متحضر ماذا نستطيع أن نفعل غير هذه الإدانة؟
               
فالإنسان غير الغربي عند الساسة في المجتمع الدولي قيمته منخفضه، هذا إذا كانت له قيمة من الأساس 
فالإنسان غير الغربي عند الساسة في المجتمع الدولي قيمته منخفضه، هذا إذا كانت له قيمة من الأساس 
                         
الأوهام الثورية أشد فتكا بالثوار من الثورة المضادة وأدواتها، إذ تعد بمثابة الموت السريري للثورة والانهيار الذاتي لبناء الثورة القوي، وكيف لا والقرارات التي يأخذها رواد الثورة الذين يتبعهم الجماهير خاطئة ومبنية على أفكار لا تؤدى إلى النجاح، فبدلاً من أن تحافظ على حياة الثوار تقضي عليهم، وبدلاً من أن تقوي عزيمتهم وترسم لهم طريق النجاح، تجعل حياتهم انتقالا من إحباط إلى آخر بسبب الفشل المتكرر وتمكين الأنظمة الشمولية من مقدرات الوطن والمواطن.
               
هل معنى ذلك أن فشل الأنظمة الشمولية في الإدارة الاقتصادية أو وجود ميادين تعبر عن الثورة أو الإدانات المتكررة لملف حقوق الإنسان ليست ذات قيمة في المسيرة الثورية؟ الإجابة قطعا أن كل هذا له من الأهمية بقدر التعامل معه والاستفادة منه، لكن لا يمكن أن يكون لعنصر واحد من هذه العناصر أن يشكل ثورة وتنجح بشكل كامل. فالمطلوب هو توظيف المدخلات الثورية في خلق حالة نجاح، دون أن يتم التعامل مع هذه المدخلات على أنها ثورة في حد ذاتها.
      
فإذا أردت أن تستغل الفشل الاقتصادي عليك أن تعطي للجماهير خطوات وأدوات اقتصادية ثورية تساعد في بناء الثورة وقدراتها ، وليس معاقبة عموم الجماهير. كما أن التقارير الدولية يجب أن توظف في إطارها، ويجب اقناع المجتمع الدولي أن من تتمسكون به سيقضي على مصالحكم، وقتها تخاطب الثورة المجتمع الدولي بلغة الند وليس بلغة المظلومية والانكسار. فالإنسان غير الغربي عند الساسة في المجتمع الدولي قيمته منخفضه، هذا إذا كانت له قيمة من الأساس. وإذا أردت أن يكون هناك ميدان للتحرير فيجب أن يكون عندك المقدرة على انتزاعه والحفاظ عليه لأنك إذا ذهبت إليه ستجد لافتة معلقة على بوابته تقول: عفواً الميدان مغلق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.