شعار قسم مدونات

القشّة التي يتمسك بها الكورد

Kurdish people celebrate to show their support for the upcoming September 25th independence referendum in Erbil, Iraq September 8, 2017. REUTERS/Azad Lashkari
العلاقة الكوردية مع الغرب علاقة قائمة بين غريقٍ يتمسك بقشّة، وبين غربٍ يضعُ مصالحه الاقتصادية فوق كلّ اعتبار، ضارباً بذلك القيم، والقواعد الأخلاقية، والعهود، والمواثيق عرض الحائط، ولا يخفى هنا أن الغريق ليس الغرب، الذي أسس قواعد لعبته مع غيرهم على مبدأ الميكافيلية، والكورد ليسوا استثناءً من القاعدة.

لقد سعى الغرب إلى تأديب الأنظمة، والحكومات الخارجة عن إرادتها في المنطقة من خلال التلويح بالعصا الكوردية، ولم تكن الفكرة يوماً، أن الغرب يؤمن بالحقوق الكوردية، ويسعى لتحقيقها، بل حاول دائماً استغلال مأساة الكورد لتحقيق هدفه الاستعماري، وأطماعه، لذلك لم تكن هناك مشكلة لديه أن يتراجع عن وعوده، وتصريحاته للكورد في نيل حقوقهم المشروعة على أرضهم التاريخية، التي تلوح بها في وجه الدول المتبرمة من سياستها في المنطقة حيناً، ويخفض من حدّة نبرته بإنزال العصا أحايين أخرى كثيرة.

وقد لخّص الباحث روبرت أولسون هذه القضية عندما كانت بريطانيا محتلة للعراق، وكيف تعامل مع القضية الكردية المتمثلة بثورة الشيخ محمود حفيد حيث يقول: (وحسبما تشير مراسلات تشرشل- كوكس فإنّه في أواخر سنة 1921م لم يكن ثمّة جدال أطول حول دعم كيان كوردي منفصل داخل العراق، كان ذلك هو رأي برسي كوكس، وإنّ دعم البريطانيين للشيخ محمود حفيد في خريف 1922م كان ببساطة جهداً لاستعماله، واستعمال الكورد ضدّ تشدُّد الموقف التركي بشأن الموصل، وحينما تبيّن أنّ الشيخ محمود قد فتح خطّاً مع الترك، أقاله البريطانيون للمّرة الثانية، وفي صيف 1923م، حينما أجرت الحكومة العراقية انتخابات لأجل الجمعية التأسيسية لم تُعطِ فرصة كهذه للكورد، بل أدمجوا ضمن دولة العراق).

ستبقى القضية الكوردية مشكلة تؤرّق دول المنطقة، وهي تتراوح بين مدٍّ وجزر إلى أن تدرك الدول المعنية بهذه القضية أنّه يجب أن تكون القشّة التي يتمسك بها الكورد لا الغرب
ستبقى القضية الكوردية مشكلة تؤرّق دول المنطقة، وهي تتراوح بين مدٍّ وجزر إلى أن تدرك الدول المعنية بهذه القضية أنّه يجب أن تكون القشّة التي يتمسك بها الكورد لا الغرب
 

وما أشبه اليوم بالأمس، والكورد على مستوى النخبة السياسية والفكرية وحتّى على مستوى شريحة واسعة من عامّتهم يعلمون هذه السياسة، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة: أيُلام الكورد في موقفهم المتماهي مع الغرب؟ لا أعتقد ذلك، حتّى لو كان ذلك يجرّ آثاراً سيئة بالنسبة لهم في المستقبل؛ لأنّهم في حقيقة الأمر لا يملكون شيئاً ليخسروه، ضمن وسطٍ يرفض فكرة وجود كيان كوردي، وهُويّة كوردية، وليس هذا فحسب بل يرى فيهم دولة إسرائيل الثانية!

في الواقع لم تخطُ الدول المعنيّة بالشأن الكردي إلى اليوم خطواتٍ عمليةً حقيقيةً لحلّ هذه المشكلة العالقة منذ عشرات، بل مئات السنين، والتي ترتب عليها في النهاية ضحايا قد يُقدّر عددهم بالآلاف، ناهيك عن الخسائر المادية التي تتكبدها دول المنطقة، ولو استثمرت هذه الموارد الطبيعية والبشرية لشكلت نهضة اقتصادية عملاقة.

كانت تركيا قد سعت قبل سنوات لحلّ هذه المشكلة، ورغم أنّها خطت خطواتٍ صحيحةً إلّا أنّها توقفت فجأة؛ لتسير هذه المرّة عكس التيار منتشية بقوتها التي وفّرتها العوامل الاقتصادية لها، مع التأييد الشعبي لها في الانتخابات المتكررة، ويتمثّل هذا التأييد بفوز ساحق لحزب العدالة والتنمية الحاكم.

ستبقى القضية الكوردية مشكلة تؤرّق دول المنطقة، وهي تتراوح بين مدٍّ وجزر إلى أن تدرك الدول المعنية بهذه القضية أنّه يجب أن تكون القشّة التي يتمسك بها الكورد لا الغرب، ورغم أنّ ذلك يستلزم خطواتٍ قد تكون مؤلمة، ولكنها في المستقبل ستكون مثمرة للجميع ، لما يشكّله الكورد من عمقٍ حضاريّ وسياسيّ لدول المنطقة، وخاصةً تركيا والدول العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.