شعار قسم مدونات

من زمن الرداءة إلى زمن الإبداع

blogs - طالب في مكتبة
إنه زمن الرداءة بامتياز، فأين ما وليت وجهك قبلة تبتغي من خلالها الوقوف على جميل حسن تسمو به نفسك عن الوضاعة والترهل، إلا وعدت متحسرا متأسفا تجر ذيول الخيبة جرا. فها أنت ترى الباطل يجلى في معرض الحق، والكذب يصور في صورة الصدق، وصفاء المشاعر يتكدر بعفن النفاق والتملق، والوضيع يقَدّم في المجالس، والناس بغير ثقافتهم يفخرون، وأهل العزم حالهم كحال نوح لما صنع الفلك وقومه يسخرون.
فكيف السبيل إلى وصال المجد ونفض غبار التخلف والجهل؟ حتى تنتقل الأمة جمعاء من زمن الرداءة إلى زمن الإبداع، زمن أهله ينفتحون على الآخر بصدر رحب دون حرج؛ زمن يترفع أهله عن الرداءة ويتسلحون بالعلم ويهتدون بالذكر… فما أحوج الأمة لمشروع شامل يتحقق بمنهج واحد موحد، ينطلق من المشروع الأكبر الذي يسمو بالجوانب الإنسانية والدينية ثم المعرفية للفرد والجماعة؛ مشروع إن تحقق كان باعثا على المشروع الأصغر، مشروع الحضارة في شقه المادي بالقدر الذي يضمن للأمة عزتها وكرامتها الذاتية واستقلاليتها المطلقة، فتجمع بين المشروعين ولا تسقط في غياهب المادية الصرفة التي لا تعترف إلا بقانون الغاب ولا تتبنى إلا النفعية المطلقة دينا ومذهبا وأسلوب حياة، ولا تكون من جانب آخر تابعة متخلفة عن ركب الحضارة عاجزة عن توفير حاجياتها المادية بذاتها لذاتها من دون الاعتماد على غيرها.

بالقراءة المتأنية والنافذة المغترفة من معين كل العلوم والمعارف، وانطلاقا من الدين ومع الدين، وصولا إلى الدين والدنيا. فإذا حققنا ذواتنا، انطلاقا من ذواتنا حققنا ذات الأمة الجامعة

لا بد أن يكون هذا المشروع بقرار سياسي تتبناه الأمة جمعاء من مشرقها إلى مغربها بتوافق تام. وهو أمر قد يصعب إحقاقه في زمننا هذا الذي ذهبت فيه ريح الأمة فوهنت بعد أن تنازعت أمرها، فراحت كل فرقة منها تنعت الأخرى بالعمالة والخيانة والتآمر، بل حتى بالإرهاب، فتلجأ إلى قطع صلة الرحم والتضييق على أختها، لكن قد يسهل هذا المشروع بشقيه إذا ما شرعنا نحن كأفراد في إحقاقه انطلاقا من ذواتنا.

فلا يحسن بنا أن نكتفي بالآهات والنقد لهذه الأوضاع، بعد أن فرقت السياسات ونبقى مكتوفي الأيدي لا نحرك ساكنا، نلعن الزمان والأوطان والقادة، وما الزمان إلا أيام نحن نصعنها، وما الأوطان إلا أراض نحن نعمرها، وما القادة إلا أناس نحن نرضاهم لنا قادة، فنحن الزمان، ونحن الوطن، ونحن القادة.

علينا أن نعلنها ثورة على ذواتنا قبل أن نعلنها ثورة على الغير، شعارها فليسقط الأنا الخامل المتعجرف، لينبعث الأنا المبدع المتوهج في كل واحد منا بإقرأ أولا؛ قراءة وإعادة قراءة ذواتنا، ثم قراءة العالم والسؤال عن موقعنا منه ودورنا فيه وما يجب أن يقدمه كل واحد منا.

بالقراءة المتأنية والنافذة المغترفة من معين كل العلوم والمعارف، وانطلاقا من الدين ومع الدين، وصولا إلى الدين والدنيا. فإذا حققنا ذواتنا، انطلاقا من ذواتنا حققنا ذات الأمة الجامعة الموحدة فكريا وروحيا، وإن تفرقت جغرافيا أو سياسيا على شكل دويلات مستقلة بذاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.