بأسف بالغ وقلب كسير وألم مرير نقول أن ما جرى كانت أهدافه الأساسية تصفية حسابات حزبية وتسقيط هذا الطرف أو ذاك نقول هذا ليس حبا في هذا الطرف أو كرها لذاك، فلسنا معنيين بهذه الحسابات وهذا شأنهم الحزبي الذي نحن بعيدون عنه، وإنما للمأساة الإنسانية التي وقعت للمواطن الكركوكي الموادع المسالم، الذي جوزي جزاء سنمار عن صبره وتحمله طيلة الفترة المنصرمة أملا منه بأن يبوء القوم إلى الرشد وترك المراهقة السياسية والاقتصادية والإدارية التي وصم بها المتصديين للشأن العام، لقد تُرك المواطن الكركوكي من مدنيين وعسكريين في جهل تام ومطبق عن الحدث الذي يواجهونه بل الأزمة والخطر المحدقان بهم، أن النتيجة التي رأيناها كان يمكن الإعلان عنها نهار يوم الأحد أو ليلة الإثنين كحد أقصى وليس صباح الإثنين بعد إراقة الدماء "العراقية" الطاهرة البريئة، ونزوح مئات الآلاف منهم أغلبيتهم أطفال ونساء وشيوخ.
لقد آن الأوان للمواطن العراقي -بمختلف مشاربهم وتنوعاتهم- أن يعوا هذه اللعبة السياسية أتم الوعي، وأن الشعارات "الدينية والقومية وغيرها" من التي يتغنى بها قادة الأحزاب السياسية إنما هو أمر قابل للأخذ والرد والحكم عليها يكون من خلال الأفعال وليس الظواهر الصوتية التي ضجيجها يملأ المكان والأسماع ليل نهار، لقد آن لهذا المواطن أن يجعل بينه وبين الأحزاب مسافة يحتفظ فيها لنفسه استقلال قراره ورباطة جأشه وضربه أخماسه بأسداسه، قبل أقدامه على اتباعهم في أمر أو تنفيذ أي توجه.
إن بناء أسس العيش المشترك الكريم وإزالة مخاوف التهميش والاضطهاد حاجة ضرورية ملحة وليست اكسسوارات يجمل بها مشهد هنا وآخر هناك |
لقد آن له مغادرة خانة الإتباع التام الأعمى، وتدمير ذاكرته التي وصمه بها من وثق به بأنها ذاكرة سمكية قصيرة وزائلة، وبالتالي ممارسة أقصى غايات التلاعب بمصيره ومشاعره وأسس حياته فهو سريعا ما يرجع إلى بيت الإتّباع طالما حركنا فيه مكامن العواطف من دين أو مذهب أو قومية، يقول السياسيون: إنها فرصة كبيرة لبروز قادة محليين حقيقين من داخل كركوك من ملح أرضها وعلو سمائها فيأسسوا معا عملا مشتركا لإدارة المحافظة بما يضمن تمثيل عادل لجميع مكوناتها وجعل قرارها بيد أهلها، فالأحداث الأخيرة أثبتت أن كثير من المتصدين للشأن الكركوكي العام جل خسارتهم في كركوك كانت بناء من حجر بناه على مضض وتركه على عجل!
إن كركوك تحتاج أناس من اَهلها ولدوا فيها ويحيوا في سبيلها، إنها ليست بحاجة لمن يقضي ساعات عمله فيها ثم يغادرها، ولا الذي جسده فيها وقلبه معلق بمصدّر أوامر من خارج حدودها، هل يعي من تصدى أو سيتصدى للشأن العام فيها ذلك فلا يضيعوا فرصة قد لا تعود أبدا، نأمل ذلك، إن المناطق المختلطة والتي تمتاز بتنوع مكوناتها دينيا وقوميا ومذهبيا لا يمكن أن تدار بمبدأ الأغلبية السياسية فمحافظات مثل كركوك ونينوى وديالى ينبغي أن يكون لها خصوصية من حيث الإدارة وتوزيع المسؤوليات الإدارية العليا فيها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.