شعار قسم مدونات

رسالة المؤتمر العشرين.. الرسالة التي لم يكتبها البنّا

blogs الإخوان المسلمين

لا يشكك أي منصف أن دعوة الإخوان المسلمين كان لها أكبر الأثر في نشر الوعي الإسلامي وتأصيل منهج الوسطية الإسلامية وكذلك تحقيق معني شمولية الإسلام علي أرض الواقع. ولعل بساطة الفكرة وواقعيتها هي ما جعلها تنتشر في شتي أرجاء المعمورة. وكانت هذه المبادئ البسيطة التي ركز عليها الإمام الشهيد حسن البنّا هي ما جعلت الدعوة والفكرة تلقي هذا القبول. والفكرة كانت سابقة للتنظيم وستظل هي روح الدعوة. فالأهم من يفهم الفكر الوسطي للإسلام كما نادت به دعوة الإخوان وهذا هو المحك أكثر من أعضاء التنظيم.

ولقد تشكلت تنظيمات كثيرة تحمل فكر الإخوان في كثير من دول العالم بعضها حمل اسم الإخوان وبعضها بأسماء وتشكيلات وهياكل متنوعة. وفرضت ظروف كل دولة وأفكار الجيل الأول المؤسس للتنظيم في هذه الدولة طبيعة خاصة لحركتها ورؤيتها. لكن المراجع لكل هذه التنظيمات أنها ظلت ملتزمة -إلى حد كبير- بالأدبيات الحركية التي ذكرها الإمام البنّا. رغم أن بعضا من هذه الأدبيات كانت رهينة للزمان والمكان الذي عاش فيه الإمام البنّا.

ولو كتب الله للأمام البنّا أن يعيش إلى هذا الزمان وأن يعيش في كل مكان وصلت إليه الحركة الآن لكان له قول آخر يتناسب مع طبيعة المكان والزمان. وحين عنونت كتابتي هذه بعنوان رسالة المؤتمر العشرين فقد كنت أعني أن البنّا رحمه الله لو كان عاش إلي زماننا هذا لكتب رسالة تصلح لعام ٢٠٢٠ وتستفيد من تجارب الحركة علي مدار ما يقرب من قرن من الزمان. هذه الرؤية التي أضعها بين يدي الإخوان المسلمين والمهتمين بالحركة الإسلامية لا أدعي أنها صواب كلها ولكنني فقط أردت إلقاء حجر في مياه شبه راكدة ودعوة للبناء على ما بناه البنّا وليست معولا لهدم التنظيم.

جماعة الإخوان لم ولن تكون أبداً ملكاً لعدد من أعضائها كبر أو نقص، بل أزعم أنها أصحبت شأناًً عاماً وليست ملكاً خاصاً ولو لأعضائها جميعاً
جماعة الإخوان لم ولن تكون أبداً ملكاً لعدد من أعضائها كبر أو نقص، بل أزعم أنها أصحبت شأناًً عاماً وليست ملكاً خاصاً ولو لأعضائها جميعاً

هي دعوة للفكر وإعمال العقل أسأل الله أن يفتح لها القلوب وأن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم. وقبل أن أشارك تلك الأفكار، أودّ التأكيد على عدة أمور:

أولاً: رغم خبرة الكاتب التي تناهز أربعين عاماً في العمل الإسلامي، إلا أني أقتبس فيما أطرحه من كتابات علماء أجلاء لهم تجارب حركية، كالغزالي والقرضاوي والريسوني والشنقيطي والغنوشي وغيرهم، إضافة إلى ما توفر من مراجعات الحركة الإسلامية في بلدان متعددة، وخلاصات نقاشات دارت في ندوات أقيمت لمناقشة هذا الموضوع وغيره مما يتعلق به، مع نُقول أخرى من مقابلات شخصية ولقاءات مع كثير من قيادات العمل الإسلامي على مختلف انتماءاتهم.
 
ثانياً: أرجو نقاشها على قطاع واسع داخل أروقة جماعة الإخوان في عالمنا العربي، على مدار هذه الفترة، أملاً في الخروج بتصور ناضج لرؤية مستقبلية بحلول عام 2020م أو قبلها. فإن مشاركة قواعد أي حركة في صياغة رؤيتها يعتبر أهم عنصر في بناء تلك الرؤية، أخذاً بموقف الصحابي الجليل العباس بن عبادة الأنصاري حين سأل قومه – من باب التأكيد – في بيعة العقبة (أتدرون علام تبايعون هذا الرجل؟).
 
ثالثا: تنطلق الرؤية مما أسس له الإمام البنّا، وقد آثرت أن تكون تجديدية لا ترقيعية، فلا مجال لمناقشة نصوص المؤسس وقوفاً على مبانيها وألفاظها، أو اعتبار التجديد أنه إعادة إنتاجها والتفنن في تفسير مواقفه التي صنعتها ظروف معينة، أو أقواله التي كانت نتاجاً طبيعياً في أزمنة محددة، إنما هو تجديد الرؤية الحركية في إطار الضوابط الشرعية، فالمعصوم صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". فالاجتهاد هو الأصل في كل عصر ومستجداته، خاصة حين يتعلق الأمر بالمصالح المرسلة التي تقع خارج إطار الحلال والحرام وما يتعلق بهما من درجات الأحكام.
 
رابعاً: توخت صياغة هذه الرؤية أن تكون بعيدة عن ضغوط الواقع، فلا هي وضعت للهروب من وطأة تضييق أمني ولا كانت نتيجة ضغط من هذا القبيل، كما أنها ليست تنازلاً من أجل البقاء، كما أنها ليست إملاءات خارجية ولا مناورة لمعالجة مشكلة سياسية آنية في قُطر ما.
 
خامساً: يبقى هناك طيف أو شريحة أو فئة من المجتمع المسلم تعادي الإخوان المسلمين بشكل مبدئي حتى لو كف الإخوان عن أداء الصلاة. ومنهم من يكره الإسلاميين جميعاً، بل ربما يعتبر بعض هؤلاء منافقين يظهرون الإسلام ويبطون غير ذلك! لكن هذا لا يمنع الاستفادة من التجارب حتى لو كانت مريرة، أو كما يصنفها البعض إخفاقات مؤلمة مرت بها جماعة الإخوان على مدار العقود الماضية، كما لا يمنع الاستفادة من النجاحات الباهرة التي حققتها الجماعة في أصعدة متعددة وبلدان كثيرة.

من البديهي ألا يكون لقيادة الحركة حق الوصاية الفكرية الحصرية عليها، حتى يعتبرهم البعض أصحاب الحق دون غيرهم في تفسير كلام الإمام البنا
من البديهي ألا يكون لقيادة الحركة حق الوصاية الفكرية الحصرية عليها، حتى يعتبرهم البعض أصحاب الحق دون غيرهم في تفسير كلام الإمام البنا
 

سادساً: أي رؤية حين تلقى اتفاقاً أو قبولاً ربما تكون صالحة لعقد أو عقدين من الزمان، لكن إعادة النظر فيها مطلوب بين الحين والآخر للتأكد من صحة المسار، مع التأكيد على أنها اجتهادات بشرية في إطار المباح وليست نصوصا مقدسة.
 
أخيراً: إن احتياج كاتب الرؤية لهذه المقدمة الطويلة لهو دليل على تحفظ أو تخوّف من ردود أفعال رافضة لكل ما ومن يقترب مما يعتبره البعض "مقدسات"، وأتحدث هنا عن مئات الألوف ممن لا يعوزهم الإخلاص وهم يرددون: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ"، أو "مقاومة التغيير" التي تتمترس بادعاء "هذه جماعتنا، ومن أراد أن يغير أو يجدد فليؤسس غيرها كما شاء" وهذا محض هراء لكنه صاخب!
 
فجماعة الإخوان لم ولن تكون أبداً ملكاً لعدد من أعضائها كبر أو نقص، بل أزعم أنها أصحبت شأناً عاماً وليست ملكاً خاصاً ولو لأعضائها جميعاً، فالملايين – من غير أبنائها – الذين ناصروا تلك الحركة على مدار عقود في شتى أرجاء العالم وتحملوا الأذى بسبب هذه النصرة وفي سبيل تحقيق أهداف سامية آمنوا بها، لهم أيضا حق في رسم مستقبل هذه الحركة. وعليه فمن البديهي ألا يكون لقيادة الحركة حق الوصاية الفكرية الحصرية عليها، حتى يعتبرهم البعض أصحاب الحق دون غيرهم في تفسير كلام الإمام البنا، أو الخروج عنه حيثما بدت لهم المصلحة، وما الموقف من العمل الحزبي ببعيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.