شعار قسم مدونات

كتارا تُكرمهم والجزائر تُهينهم

blogs - كتارا
تابعْنا في الجزائر بشغف تألق ثلاثة من نجوم الأدب والثقافة في سماء الدوحة وظَفَرَهم بجوائز كاتارا للروايات العربية والدراسات النقدية، حيث فاز الصحفي سعيد خطيبي عن فئة الروايات المنشورة بعمله الرائع "أربعون عاما في انتظار إيزابيل"، وفي فئة الروايات غير المنشورة كان التفوق لعبدالوهاب عيساوي عن عملِهِ "سِفْر أعمال المَنْسِيِّين"، بينما حازَ الدكتور البشير ضيف الله الجائزةَ عن دراسته "الراهن والتحولات.. مقاربات في الرواية العربية" في فئة الدراسات.

هذا النجاح الباهر في أكبر الجوائز العربية ليس بالأمر السهل ولا على سبيل الصدفة، فجائزة كاتارا ترصد مبالغ مالية كبيرة جدا للتنظيم ودراسة الأعمال التي تقدَّمُ لها طيلة عام كامل حتى تتوَّجَ تلك القراءات والمتابعات من طرف كبار الأدباء والنقاد العرب بالأفضل من بين تلك الأعمال المقدَّمة، هذا الاحتفاء الرائع بالكتابات الجزائرية في جائزة كاتارا هو احتفاء موضوعي لا مجالَ فيه للمحاباة والمجاملات التي نعهدها في بعض الجهات المحلية، نشهد هذا العرس الثقافي العربي في حين أننا لو التفتْنا إلى مكانة الأديب الجزائري على مستوى الإعلام المقروء والمرئيِّ في الجزائر سنتفاجأ كثيرًا وتصيبُنا الصدمة لتلك الفجوة الهائلة بين الكاتب والتغطية الصحفية للإنتاج الأدبي عندنا.

انفتح الإعلام الجزائري على قانون السمعي البصري مؤخرا وبِتْنا تحت وطأة عشرات القنوات بأسماء برَّاقة وبرامج تلفزيونية لا تنتهي، كان أغلب تلك البرامج على حدِّ قول العربي: "أسمع جعجعةً ولا أرى طحينًا"، حلقاتٌ من الفكاهة والتحليلات السياسية والاجتماعية وخوضٌ في كل شيء تقريبًا، حتى كأن القناة التلفزيونية هي محاكاة للشارع الجزائري، فقد غاب عنها كما غاب عن ذاك الشارع العنصرُ الأهَمُّ من عناصر بناء الأمة ألا وهو "الثقافة"، وأنا أتساءل فعلا: لِمَ لا تخصص تلك القنوات المتكاثرة برنامجًا احترافيًّا للعناية بالأدب الجزائري سواءٌ الرواية أو القصة أو القصيدة وحتى المسرحية أو غيرها من الأشكال الأدبية القديمة والحديثة؟

نجد الإعلام الجزائري يحتفل بإهانة روائي كبير مثل
نجد الإعلام الجزائري يحتفل بإهانة روائي كبير مثل "لخضر بوجدرة" الذي -ومع اختلافنا معه في كل شيء تقريبًا- إلا أننا معه ضدَّ ما تعرَّض له الصيفَ الفارطَ من إهانة
 

إن افتكاك جائزة مثل كاتارا على يد مجموعة من أدباء الجزائر هو خيرُ دليلٍ على أن الإعلام الجزائري ليس فقط يُهْمِل متابعة الحركة الثقافية عندنا بل هناك تعمُّدٌ لتغييب الأدب من على شاشات التلفزيون أو صفحات الجرائد، وحين نعلم أن أرباب المال المرتبطون بالسلطة هم الذين يمسكون بزمام الإعلام في جزائرنا؛ ندرك حينها سبب الغياب الرهيب للحصص الثقافية والنشاطات الأدبية من واجهات الإعلام، لأن القلم ينتِجُ فكرًا حُرًّا والحُرِّيَّة هي العدو الأول والأخير للطبقة السياسية الفاسدة، لم يكن الكاتب الثائر "واسيني الأعرج" في مأمَنٍ حين كان يسطُرُ رواياته المشفَّرةَ بين غياهب العَشْريَّة السوداء، فقد كان محاطًا بشرار الأعين التي تتوجَّسُ خوفًا من قلمه، لم يكن يكتب في أجواءٍ من الحُرِّيَّة لكنه كان وبكلِّ جرأة ينسُجُ خيوطَها المتينةَ حتى يتمسَّكَ بها كلُّ ثائرٍ على الديكتاتوريَّات سواءٌ تلك التي تسكن القصور أو تلك التي ترتع في الجبال.

لكلِّ هذا نجد الإعلام الجزائري يحتفل بإهانة روائي كبير مثل "لخضر بوجدرة" الذي -ومع اختلافنا معه في كل شيء تقريبًا- إلا أننا معه ضدَّ ما تعرَّض له الصيفَ الفارطَ من إهانة في قناة "النهار" عبر ما وصفوه بأنه برنامج ساخر أو كاميرا خفيَّة، وفعلًا كان ذلك البرنامج ومَن وراءه مِن وحوش الإعلام يرغبون في إيصال رسالة مفادها: أن الأدب مكانُهُ للتهريج والمسخرة، وأن الأديب الجزائري يُستضاف للضحك عليه لا للنقاش والاستفادة مما كتب، أكرر مرةً ثانية: إن لخضر بوجدرة في خطٍّ يوازي الخطَّ الأدبي الذي أكتب فيه، ولكن الكتابة "رَحِمٌ بين أهلها"، فإنْ كانت صِلة الرَّحِم واجبًا فهي أَوْجَبُ في مِثْل هذا البلاء المُبين!

تهنئة كبيرةٌ بحجم تاريخ الجزائر للفائزين في كاتارا هذا العام، ولا عزاءَ لهؤلاء الذين أرادوا "تغطية الشمس بالغربال" وإهانة أُدَبَائِنا أو تغييبَهم وقتلَهم إعلاميًّا، فنحن في عصرٍ من الثورة الإعلامية التي تتخِذُ من المُواطن البسيط جدًّا صحفيًّا لا تكاد تعزُبُ عنه مثقال ذَرَّةٍ من الأحداث حتى يُدوِّنها أو يُصوِّرَها ليوثِّقَها ويَعْرِضَها أمام ملايين المتابعين والمشاهدين، وقد يراها من هم خارج الجزائر قبل أن يراها "عسَّاس الفيسبوك" الذي نصبتْهُ السلطات في هذه الأيام مُخْبِرًا على طريقة الستينيات والسبعينيات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.