شعار قسم مدونات

سوق الإرهاب.. سوق رائجة

blogs داعش
احتلَّ مصطلح الإرهاب فضائياتِ العالَمِ الإسلامي، وغير الإسلامي. نحن نُردِّد كلمةَ الإرهاب أكثر مما نردِّد اسمَ الجلالة، نردد كلمة الإرهاب أكثرَ مما نُردِّد البسملة، نُردِّد كلمةَ الإرهاب أكثرَ مما نردد التحية. لقد تَحوَّل الإرهاب إلى علامة من علامات الطاعة والولاء، بل تَحوَّل إلى صنمٍ، إلى جِن، مَن لا يلعنه فهو ملعون.
أصبح الإرهاب في أغلبِ دولِ العالَم مادةً للانتخابات، مادةً لترْهيب الشعوب، مادةً لتبريرِ ما لا يُبرَّر، مادةً لتبرير الفساد المالي والسياسي والإداري. أصبح حجةً لبيعِ واستباحة وتهديدِ الأوطان،أصبح مادةً للمداهنة والتسلُّق والانتهازية والتملُّق والنفاق، أصبح حجةً لاعتداء دولة على دولة، حجةً للحروب، للإقصاء، للاتهام، للتهميش. أصبح مُبرِّرا للعجز، للفشل، للانهيار الاقتصادي والسياسي. أصبح غطاءً للعَمالة، للتبعية، لاستباحة السيادة، لاستباحة الأوطان، لتهديد الدول للدول، أصبح عصاً في أيدي مجلس الأمن يُلَوَّحُ بها على كلِ وطنٍ يُرادُ امتصاصَ خيراته، أصبح عصا أيضا في أيدي القوي، يُلوِّحُ بها في وجه الضعيف، أصبح حجة للحرب على الإسلام والأفكار والتوجُّهات، وأصبح أداة للتحريض على الكراهية، وعلى العُنصرية، وعلى الأحقاد والاعتداء والانتقام.

جماعات ومُنظمات ومؤسسات وأحزاب وصُحف وفضائيات ومنابر إعلامية تُقدم خِدماتِها لمن يدفع، فتَتلقى الملايين مِن ما يُفترض أنه محاربة للإرهاب
جماعات ومُنظمات ومؤسسات وأحزاب وصُحف وفضائيات ومنابر إعلامية تُقدم خِدماتِها لمن يدفع، فتَتلقى الملايين مِن ما يُفترض أنه محاربة للإرهاب
 

أصبح الإرهاب سُلَّما للانتهازيين، للمتسلقين، للوُصولِّيِّين، يُوظفُه من شاء فيما شاء، للوصول إلى ما شاء. تَحوَّل الإرهاب وبقدرة قادر إلى مصدَرِ رزق، وبابٍ من أبواب الابتزاز.
دُول وجمْعيات وجَماعات وأفراد ومؤسسات، يلعنون الإرهاب ليل نهار، أكثرَ مما يلعنون الشيطان، بل يُعلنون، وعلى الهواء، تحالفَهم مع المَرَدةِ والجِن والشياطين بحجة مكافحة الإرهاب.

دول تَستجْدِي الأسلحة والأموال والعتاد والمساعدات بحجة محاربة الإرهاب، وأخرى تشتري منهم، كَمًّا هائلا من الدبابات والصواريخ والطائرات، وغير ذلك من أسلحة الموت والدمار والهلاك بحجة مكافحة الإرهاب أيضا.
دُوَلٌ تقاطع دُوَلا، ودُول تحاصر أخرى، ودول تتدخل في شؤون دول، ودول تحارب دولا، ودول تستبيح سيادة دول أخرى. ودول – أخرى – تعيد علاقاتِها مع دول كانت قاطعتها، ودول تقطع علاقاتها مع دول، كل ذلك بحجة مكافحة الإرهاب.

آلافُ الخُطب والنَّدوات والدروس والحلقات والمحاضرات تتحدث عن الإرهاب ولا شيء غير الإرهاب. لم نَعُد نتحدث عن النماء، عن الإعمار، عن التقدُّم، عن الإبداع، عن الابتكار، عن التطور، عن التنمية، عن التخطيط، عن البناء.
جماعات ومُنظمات ومؤسسات وأحزاب وصُحف وفضائيات ومنابر إعلامية أخرى تُقدم خِدماتِها لمن يدفع، فتَتلقى الملايين مِن ما يُفترض أنه محاربة للإرهاب، أفراد فَقدوا إنسانيتهم ووطنيتَهم وبَشريتهم وضمائرهم، وتَحوَّلوا إلى شهداء زور، ووشاة لأنظمة وأجهزة ومكاتب أمنية، مقابل دُريهمات معدودة بَخسة.

دول تُهدد بإشعال حروب نووية، وتُهدد بمسح ودمار جزء من العالَم بأكمَلِه، ولا تُصنَّف  هذه الدول كدولٍ إرهابية، أو دولٍ راعية للإرهاب، ولا يُوضع قادتُها على قائمة الإرهاب
دول تُهدد بإشعال حروب نووية، وتُهدد بمسح ودمار جزء من العالَم بأكمَلِه، ولا تُصنَّف  هذه الدول كدولٍ إرهابية، أو دولٍ راعية للإرهاب، ولا يُوضع قادتُها على قائمة الإرهاب
 

أصبح الإرهاب مُبرِّرا لإرهاب أسوأ منه، ضاع الإرهاب الحقيقي وسط الإرهاب المُفتَعل، لا أحدَ يتحدث عن إرهاب الدولة، عن إرهاب المحتل، عن إرهاب الجيوش، عن إرهاب الطغاة، عن إرهاب الديكتاتوريات.

نحن في زمن لم تَعدْ فيه الحُروبُ التي تَحرق الأخضر والأسود والأصفر واليابس، وتقتل الأطفال والشِّيب والشباب والنساء والعَجَزة والضعفاء بالجملة، لم تعد إرهابا، بل تُعدُّ حربا على الإرهاب.
كلُّ ذلك ولم يُعرَّف الإرهاب بعد. كلُّ ذلك ومازال الإرهاب مُلتصِقا بالإسلام والمسلمين فقط، كلُّ ذلك والإرهابُ ما زال مرتبطا بالفاعل (المسلم) وغيرَ مرتبط بالفعل (الممارسات الإرهابية)، كلُّ ذلك ولم يستنكر – بعد – إرهابُ غير المسلمين للمسلمين، وأظنه لن يستنكر على الإطلاق.

دول تُهدد بإشعال حروب نووية، وتُهدد بمسح ودمار جزء من العالَم بأكمَلِه، لا تُصنَّف – هذه الدول – كدولٍ إرهابية، أو دولٍ راعية للإرهاب، ولا يُوضع قادتُها على قائمة الإرهاب والإرهابيين، المسلمون فقط يُوضعون على قوائم الإرهاب، بل المضجك المُبكي أن يضعهم على قائمة الإرهاب، مَن يفترض أنهم من بَني جِلدتِهم بالتعاون مع العالَم الظالم.

لِكُل ذلك.. علينا أن نخرج إعلاميا وثقافيا وسياسيا وفِكريا من هذا القيد، من هذا القفص، من هذا الصندوق، صندوقِ السراب (الإرهاب)، ونبني أوطاننا من أجل أجيال قادمة مُتحرِّرة.
واللهُ مِن وراء القصد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.