شعار قسم مدونات

المنتخب السوري والمصري.. الرياضة كأداة للاستثمار السياسي

blogs المنتخب السوري

تأهل المنتخب المصري لكأس العالم، بينما خرج السوري، وهو ما بدا أنه انعكس على فرحة عارمة لشريحة من جمهور الأول، وخيبة أمل لجمهور الآخر، وهو أمر لا تبدو فيه أية إشكالية إن اقتصرت المشاهدة على الحدث بصورته الظاهرية، ولكن ربما إن انتقلنا قليلا لتفكيك المشهد بالنظر لما وراءه فقد يتبدى لنا أمر آخر، وسأبدأ هنا بمدخل تأسيسي لعلاقة كرة القدم بالمجتمع، ومن ثم الانتقال للارتباطات السياسية.

كرة القدم هي ظاهرة اجتماعية، وعليه فإنها كـ "رياضة جماعية" ترتبط بالجمهور لها انعكاساتها التي تظهر على البيئة الاجتماعية من خلال ما يظهر على الجمهور، وبشكل بسيط يمكن أن نلحظ كيف يمكن للنادي أو للمنتخب أن يصبح "جماعة" بما يترتب على ذلك من مفاهيم ملحمية، وعليه ينعكس انتصار الجهة التي تشجعها عليك، وكذلك الخسارة، هذه المنافسة تخلق حالة من التشوق والترقب، وحالة من الإشباع تخلق حالة انتماء، وتصنع جماعة لها أهداف، وأعداء، وعوائق، وأطماع، وخطوط دفاع، وصحيح أن الحالة الظاهرية للجماعة الرياضية تختلف عن الجماعة بمفهومها التقليدي، لكن الدوافع واحدة.

هذه الجماعة -التي تشجع النادي نفسه- تتشكل رابطة شعورية بين أفرادها، بالتالي فإنها تشكل حالة تصنيفية، تعرّفني وتعرّف الآخر، ويمكن لهذه الحالة الشعورية أن تتطور لتصبح شكلا تنظيميا، كالألتراس مثلا، حيث إنها تخلق أعداء تسعى لسحقهم، كتجسيد لصورة المعارك الكبرى، وتشعر حين المواجهة -مع العدو- بأنها أمام مباراة مصيرية يمكن أن تودي بكرامتهم في واد سحيق، في حين تُخاض المباريات مع الفرق التي لا تصنف كأعداء على أن النصر مطلب، لكن الملحمية فيها ليست بذات مستوى الإثارة.

 

المنتخب السوري يحمل عَلَم النظام، ويلعب تحت رعايته، بالتالي فهو يحمل رمزا يحوي دلالات لها انعكاساتها، وهو يُعد أداة ترويجية للسلطة كذلك
المنتخب السوري يحمل عَلَم النظام، ويلعب تحت رعايته، بالتالي فهو يحمل رمزا يحوي دلالات لها انعكاساتها، وهو يُعد أداة ترويجية للسلطة كذلك
 

كما تحدد أهمية المباراة مستوى الملحمية، وعليه يمكن أن تتحول "جماعة رياضية" إلى شكل جديد من أشكال الجماعات التقليدية، متجاوزة بذلك الانتماءات التقليدية، وينبغي ذكر أن هذه الانتماءات تشكل مشاعر الفرد، متجاوزة ومتغاضية عن كثير من القيم، وعن فرص تحسين الحياة الواقعية للفرد، لتحقق منسوبا مرتفعا للفرد من الإشباع، وهذا مشهد لا يمكن تعميمه، لكن عناصره يمكن الاستفادة منها لفهم كيف يتركب المشهد.

 

ما سبق يمكن أن يعد مدخلا، وبالإسقاط على الواقع فإن انعكاسات الرياضة على المجتمع وتأثيراتها لا يمكن أن تغفلها الجهات السياسية، وما يحدث الآن من تأهل للمنتخبات العربية لا يمكن أن يبتعد عن المشهد السياسي، فالتقاطع بينهما يصعب فصله داخل "الدولة القومية"، لتصبح الرياضة مجالا للاستثمار الشعبي السياسي، ولتصبح الرياضة أداة لإضفاء الشرعية السياسية.

 

وما يمكن أن يقال هنا إن الكثير من المواقف التي نتخذها هي اصطفافات سياسية، وعينا بذلك أم لم نعِ، فالمنتخب الوطني يُعدّ ممثلا للوطن بهويته، أي عاملا تحت سلطته السياسية، فهو هنا يمثل الهوية القومية بصورتها الحالية، فهل يمكن للاعب المنتخب الوطني -خصوصا في الوطن العربي- أن يكون مخالفا للنظام؟ إن كان الجواب لا، وهو ما يتبيّن، فإن محاولات الفصل تنتفي، وبتوضيح أكثر، فإن المهارة لا تكفي اللاعب لأن يكون ضمن المنتخب الوطني، وإنما لا بد من أن يكون مصطفا مع السلطة السياسة، ليستطيع أن يمثل هذا البلد في أي لعبة رياضية.

 

بعد تأهل مصر أعطى السيسي كل لاعب مليون ونصف جنيه، إنه يستغل الشرعية الشعبية للمنتخب ليدخل في المشهد كداعم لهذا الإنجاز، كرئيس للوطن يدعم منتخبه الوطني، يرعى الإنجاز الذي تحقق في عصره ليتم استخدام المنتخب كأداة دعائية للسلطة القائمة.

 

تأييد المنتخب الوطني له ارتباطات عاطفية لا علاقة لها -من وجهة نظر المشجع- بالبعد السياسي، لكنه يبقى فعلا لا يمكن عزله عن المشهد السياسي
تأييد المنتخب الوطني له ارتباطات عاطفية لا علاقة لها -من وجهة نظر المشجع- بالبعد السياسي، لكنه يبقى فعلا لا يمكن عزله عن المشهد السياسي
 

في الحالة السورية هناك عَلَمان، عَلَم يمثل النظام، وآخر يمثل "الثورة"، الأمر هنا ليس تأكيدا لمصطلحات بقدر ما يمثله الرمز من تصنيف واقعي، أي إن العَلَم هو انعكاس لتضاد حقيقي على الواقع، وهو ما يتجسد في حالة الصراع الحادثة في المشهد السوري، ومن هنا فالمنتخب يحمل عَلَم النظام، ويلعب تحت رعايته، بالتالي فهو يحمل رمزا يحوي دلالات لها انعكاساتها، وهو يُعد أداة ترويجية للسلطة كذلك.

 

في الحالة المثالية فإنه ينبغي للرياضة أن تجمع لا أن تفرق، لكن الواقع يعكس أن الرياضة في كثير من الأحيان هي أداة من أدوات السلطة، لذلك فإن اصطفافاتنا هي مواقف سياسية في حقيقتها، لأن الفعل الذي يُضفي شرعية على جهة ما هو فعل سياسي.

 

صحيح أن مستويات الفعل السياسي تختلف إن أسقطناها على التأييد، فتأييد المنتخب الوطني له ارتباطات عاطفية لا علاقة لها -من وجهة نظر المشجع- بالبعد السياسي، لكنه يبقى فعلا لا يمكن عزله عن المشهد السياسي، ومن ثم علينا وعي أن الهوية التي تنتسب إلى الأرض أعم من الهوية التي تنتسب إلى الدولة بسلطتها السياسية، فالدولة شكل حديث، والأرض باقية، وعليه فالهوية التي تسعى السلطة لاحتكارها وتشكيلها وفقا لحدود الدولة القومية عليها ألا تعلو على السياق الاجتماعي المسحوق من السلطة السياسية المستبدة، وعليها -الهوية- ألا ترتبط بمحاولات شدّها نحو إضفاء شرعية على سلطة ظالمة، وهو أمر ينافي الوطنية "بمفهومها السياسي الحديث" ويتسق مع الوطنية المرتبطة بالسعي لحياة كريمة تتجاوز العبودية للسلطة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.