نجح صلاح الدين في توحيد أولويات المسلمين، واستطاع ترويض أولئك الذين رفضوا الوحدة، الذين قدموا مصالحهم الشخصية على مصالح الأمة، الذين لم يكن يضرهم أن يتأخر تحرير بيت المقدس، فمصالحهم الشخصية مقدمة على كل شيء. ولم يكن لصلاح الدين أن يحقق النصر المؤزر على الصليبيين وهناك من هم في الطرف الإسلامي خارج إطار الوحدة، فصلاح الدين كان يعلم أن من يغلب المصلحة الخاصة على مصلحة الأمة لن يجد حرجاً في التحالف والتعاون مع العدو إذا كان ذلك يصب في مصلحته.
كما نجح صلاح الدين في اختيار زمن المعركة الفاصلة ومكانها، واختار موقعاً استراتيجياً لجيشه ليعسكر فيه، فالزمن هو شهر تموز/يوليو حيث تكون درجات الحرارة في ذروتها في فلسطين، وأما المكان فهو حطين، والتي لا تبعد كثيرا عن طبريا وبحيرتها. لقد وصل الجيش الإسلامي إلى المكان المحدد حيث الماء والكلأ والوقت الكافي للراحة والاستعداد. في حين كان بحسب خطة صلاح الدين أن يسير الجيش الصليبي مسافة 27 كيلومتراً من أماكنه المحصنة في منطقة صفورية ذات المزايا الاستراتيجية الهامة والقريبة من الحصون التي يمكن اللجوء إليها عند الحاجة، حتى يصلون إلى المنطقة التي عسكر فيها صلاح الدين وجنده، ولكنهم عندما يصلوا لن يجدوا ماءً ولا عشباً. وهذا بالفعل ما حصل، فقد وصل الجيش الصليبي منهكاً ومتعباً فلم يجدوا ماءً يشربوه ولا وسيلة للراحة قبل أن تدور رحى المعركة في اليوم الثاني. لذلك استبشر صلاح الدين بالنصر المحقق عندما رأى الجيش الصليبي قادماً بهذه الصورة وقال مقولته الشهيرة "قد حصل المطلوب وكمل المخطوب وجاءنا ما نريد".
انتصر صلاح الدين وجيشه في معركة حطين 4/7/1187م، وأنهوا بذلك قوة الصليبيين وقضوا على آمال من تبقى منهم في المحافظة على احتلالهم لبيت المقدس. ولم تمض الشهور الثلاثة اللاحقة إلا وجيش المسلمين على أسوار بيت المقدس، وما هي إلا أيام قليلة حتى استسلم الصليبيون المحاصرون وعاد بيت المقدس ومسجده الأقصى حرا عزيزاً.
كم من الجميل أن نذكر أنفسنا ونذكر أبناءنا بهذه الذكرى، وأن نعلمهم أن النصر لا يأتي إلا بالقيادة السليمة والإعداد الجيد، وأن المتخاذلين الذين يتكررون في كل عصر وفي كل زمان لن يكونوا حجر عثرة إذا صدقت النية وتضافرت الجهود.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.