شعار قسم مدونات

في حضرة مولانا.. سيد العاشقين

Blogs- sufi
"إن الطريقة التي نرى الله فيها ما هي إلا انعكاس الطريقة التي نرى فيها أنفسنا، فإذا لم يكن الله بجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدراً كبيراً من الخوف والملامة يتدفق إلى نفوسنا، أما إذا رأينا أن الله مفعماً بالمحبة والرحمة، فإننا نكون كذلك."

     

هذه واحدة من أربعين قاعدة تنثرها الكاتبة التركية نثراً في روايتها الذائعة الصيت "قواعد العشق الأربعون" واحدة من الروايات التي يكثر الاقتباس منها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتنتشر صفحات ومجموعات تواصلية عديدة باسمها، وذلك نظراً لمدى التأثيرات التي أحدثتها على الشباب المتعطشة نفوسهم لعالم الروح الفسيح.

          

تتناول الرواية أفكاراً تمس حياة الناس واهتماهم، فتعمد إلى نقد ما يمكن نقده وتوجيه ما يحتاج التوجيه، وذلك من خلال حوارات ونقاشات بين شخوص الرواية التي تتمركزها إيلا ربة البيت الأمريكية التي تبدأ حياتها في التغير تدريجياً، بعد قراءة رواية عهدت بها إليها دار نشر لقراءتها وكتابة تقرير عنها، وهي رواية "الكفر الحلو" التي يلعب دور الشخصية المركز فيها شمس التبريزي الدرويش المثير للجدل من خلال تفسيراته الغريبة للأحداث ودعوته للاعتناء بما وراء الصورة لا بالصورة.

          

تبدو أفعال شمس مخالفة للسائد، لكن وجهات نظره غالباً ما تبدو مقنعة كما تصور الكاتبة. يأمر شمس التبريزي صديقه جلال الدين بارتياد حانة واقتناء خمرة والقبول ببغي للعيش في بيته، ثم يقدم عللاً وتفسيرات لا يعقلها إلا من كانت له ملكة الغوص في الباطن وباطن الباطن، وهذا ما يجعل بعض المحيطين بالرومي يستنكرون مثل هذه المواقف ويحاولون التخلص من شمس بقتله رجاء أن يعود لهم شيخهم ومربيهم جلال الدين الرومي، المعروف عندهم "بمولانا"، والذي أخذه عليهم شمس وحرمهم منه، كما يجري على لسان زوجته وولده المعاند الذي سيتولى قتل شمس بنفسه.

              

تنقل رواية قواعد العشق الأربعون، القارئ إلى حضرة الرومي الذي يعتبر جسراً للتواصل بين مختلف الثقافات والانتماءات بسبب غزلياته الروحية التي جعلته سيد العاشقين وبسبب أقواله الصوفية التي جعلته شيخاً ذا طريقة متبعة
تنقل رواية قواعد العشق الأربعون، القارئ إلى حضرة الرومي الذي يعتبر جسراً للتواصل بين مختلف الثقافات والانتماءات بسبب غزلياته الروحية التي جعلته سيد العاشقين وبسبب أقواله الصوفية التي جعلته شيخاً ذا طريقة متبعة
                  
لا يخفى على أحد مدى التأثير الذي تتركه الرواية على نفوس قارئيها بيد أن الأمر لا بد له من تثبت، خصوصاً وأن غالب متلقيي الرواية، ناشئون لم ترسخ لهم قدم في علوم الدين ولا ما شاكله، مما يجعلهم يقبلون على تبني أفكارها دون تمحيص ولا تقليب متجاهلين أو جاهلين أن معظم ما ورد في الرواية نوع فهم للدين ليس إلا. وأنه فهم ينتمي إلى مذهب الباطنية الذي يقوم على ترميز الدين وتقعيره وجعله رموزاً أكثر منه أحكاماً وشرائع.

         

وهو مذهب يمتد في التاريخ الإسلامي عبر مختلف العصور، وقد وجد له أتباعاً كثر ساهموا في تدعيم أركانه وتشييد مبادئه التي ينبني عليها، من خلال تفسيرات وتأويلات مستعصية، تجد لها مرجعا في الفلسفة الوافدة إلى أمة الإسلام من الحضارة اليونانية، مما أدى إلى مواجهتها من قبل علماء ندبوا أنفسهم لدحض الشبهات وتفنيد التفاهات، وتبيين سقيم الدين من صحيحه، لعل الأمر يستقيم وتعود الأمة إلى وصابها.

       

تنقل رواية قواعد العشق الأربعون، القارئ إلى حضرة الرومي الذي يعتبر جسراً للتواصل بين مختلف الثقافات والانتماءات بسبب غزلياته الروحية التي جعلته سيد العاشقين وبسبب أقواله الصوفية التي جعلته شيخاً ذا طريقة متبعة، هي الطريقة المولاوية المنتشرة في البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً. وهي رواية جديرة بالقراءة لامتيازها بأسلوبها البديع الذي مكنت فيه الكاتبة أبطال الرواية من التعبير عن أنفسهم ومخاطبة القارئ بتلقائية مطلقة، مما يسهل سهولة تصور الأحداث ورسم محيطها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.