شعار قسم مدونات

شيزوفرينيا المشاعر

blogs رجل يقف وسط الزروع فى ضوء الليل
تعتذر لنفسك كلما خلوت بها، تعتذر على عدم الانتباه بما يكفي لإشارات الحياة الباهتة، تراها تمر أمامك وتطلق صفير اقتراب النهاية وأنت لا تملك أن توقفها ولو للحظة! لحظة واحدة فقط تتنهد فيها بعمق وتطرد كل الوساوس التي تنخر جمجمتك. محطتك الأخيرة تبدو لك واضحة لكنك تظل جامدا في مكانك، ولا تملك سوى الانتظار، والاعتذار طوال الوقت!

تعتذر عن كل تلك الأحلام التي نسجتها لنفسك واكتشفت أنها ملك لغيرك! تعتذر على الحب الذي دفنته حيا حتى صار قلبك المسكين حجرا. لا يحس بصديق ولا حبيب. تعتذر على الدموع التي حبستها حتى جفت عيناك. لا تبكي على قريب ولا بعيد. تعتذر على الضحكات التي كبحتها حتى تجهم وجهك. لا تدري إن كنت سعيدا أو حزينا. تعتذر لأنك تحولت إلى شبح يسير في الشوارع والأزقة بلا هدف. لا ترد السلام على هذا ولا الشتيمة لذاك. بالكاد تحس أنك لازلت على قيد الحياة. فقدت الإحساس في غفلة من الأرض. صرت كقبر يتيم يسير على قدمين خشبيتين في صحراء قاحلة. لا أنت تستطيع أن تكمل طريقك ولا أن تعود أدراجك.

وددت لو تستطيع أن تعود إلى الوراء، إلى نقطة البداية، وتنطلق من جديد دون أخطاء هذه المرة. هذه المرة ستنتبه جيدا للإشارات، ستهدم كل الجدران التي بنيتها معتقدا أنها كانت تحميك، ستفتح الأبواب التي أغلقتها… لكن الأوان قد فات، أنت تعلم ذلك. لا يمكنك العودة بعد أن ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻦ ﻧﻴﺰﻙ ﻣﻠﺘﻬﺐ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻣﺔ ﺭﻣﺎﺩ ﺑﺎﺭﺩ ﺧﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻻ ﺃﻣﻞ ﺑﺄﻥ ﻳﻨﻬﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﺸﻊ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.

في نهاية المطاف لا بد أن تكون كالأطفال حين يرمون عصفورا بحجر دون أن يبالوا للمارة، حاسب نفسك بالكتابة، بالموسيقى، بالشعر، بالرسم… اعترف بكل شيء، بأخطر أسرارك

ﻛﻨﺖ ﻋﺎﻣﻮﺩﺍ ﻟﻠﺴﻤﺎء فأصبحت ﻛﻮﻣﺔ ﺃﻧﻘﺎﺽ ﻣﺮﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻌﻜﺮﺓ. ﺳﺌﻤﺖ ﻭﺗﻌﺒﺖ.. ﺟﻤﻌﺖ ﻣﺎ ﺃﻣﻜﻨك ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎك ﻭﺃﺳﺮﻋﺖ ﺇﻟﻰ أقرب مقبرة ﺭﺍﺟﻴﺎ ﺃﻥ تدفن ﻧﻔﺴك ﺣﻴﺎ فيها. ﻟﻜﻨك ﻛﻨﺖ ﻣﺨﻄﺌﺎ ﺑﺎﻟهروب إلى هناك، ﻓﻬﻨﺎك سيخطر لذاكرتك ﺃﻥ ﺗﺰﻭﺭ ﺃحلامك. الذكريات التي ستلهب دمك ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭﺍﻥ، وستمنعك من الموت الذي سيريحك حتما. هناك ستظهر لك كل الوجوه التي رأيتها طوال حياتك، سيقفون أمامك في صف طويل، سينظرون إليك بوجوه لا ملامح لها، لكنك ستفهم القصد من نظراتهم، ستلوي عنقك وتحاول الابتعاد عنهم، لكنك ستجدهم في كل مكان. ستغمض عينيك و ستعود لتتساءل كيف وصلت للحالة التي أنت فيها؟ فيما أخطأت بالضبط؟ فتبدأ في إعادة تحليل الأسباب، تبرر المواقف… وبعد عدة محاولات فاشلة للوصول إلى حل لما تعانيه بمفردك، ستعود إلى نقطة البداية فتقول: أنا ضحية.

أنا ضحية! ستتساءل باستغراب. كيف لم تنتبه لأمر خطير كهذا؟ وارد جدا أن تكون ضحية مجتمعك، ألم تكن تقول أنك تعلم أن ما يقولونه صحيح ربما، وأن ما تقوم به خاطئ ربما، تعرف أنك مجرد شخص عادي وغبي، وليس لديك أي صفات مثيرة، لكنك لذلك! لذلك بالضبط تريد وضع حياتك على المحك لكي تعيش..

لم لا تستمر بعيش حياتك بهذه الطريقة الساذجة والبسيطة، وابقى مخدوعا بذلك، بعدها مستحيل أن تستسلم لأنك تعلم يقينا أن هذه الطريقة هي التي يريد الجميع أن يعيش بها، إنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم بشكل خاطئ، لكنهم عادة لا يستطيعون ذلك. أنت تستطيع.. أنت لست ضحية.. أنت مبدع لا غير.

في نهاية المطاف لا بد أن تكون كالأطفال حين يرمون عصفورا بحجر دون أن يبالوا للمارة، حاسب نفسك بالكتابة، بالموسيقى، بالشعر، بالرسم… اعترف بكل شيء، بأخطر أسرارك وكأنك أمام الكاهن في الكنيسة. لأنك مبدع! والمبدع معذور بطريقة أو بأخرى. والآن عد إلى سيجارتك وأصدقائك في المقهى قبل أن يلاحظوا سهوك غير المبرر..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.