شعار قسم مدونات

من يُخرجُ علماءَ النّفسِ المسلمينَ مِن جُحْرِ الضَّبِّ؟!

BLOGS - علماء النفس

بهذا العنوان أعلاه أطلق د. مالك بدر ي 1974م صيحته المدويّة الرافضةَ للتقليد الأعمى للمناهج الغرب النفسيّة والذي كان ألف كتابًا حول هذه الظاهرة وقدّمه في الاجتماع السنوي الرابع لرابطة علماء الاجتماع المسلمين "آ م س" في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ انتقد المنظرين ذوي الاتجاه النفسي التحليلي الذين يُفسّرون ضروب النشاطات الإنسانية، حتى التي هي أكثرها نبلًا، على أساس دوافع منحطّة، لا شعوريّة أو حيلٍ دفاعيةٍ تلقائيةٍ، فهو يعطي اهتمامًا بذاتية الفرد وسعيه نحو القيم التي تُحقِّقُ ذاتَه وتعطيه معنى لحياته.
 

ويرى د. بدري بأنَّ الحقيقةَ بيّنت أنَّ كلَّ المنظور الغربيّ للصحّةِ العقليّة معتلٌّ في ذاته، فمن المثالب التي تُؤخذ على المناهج النفسية الغربية إلحاد معظمها وتغييب الجانب الروحي لهذا يعدَّ التقليد الأعمى لنظريات الغرب وممارساته في علم النفس يُمثِّلُ واحدًا من أخطر الأمور التي تُهدِّدُ وضع العقيدة الإسلامية بين علمائنا المسلمين والعامة منهم، فإنّ السلوك الروحي النفسي المعقد للإنسان وحتى اعتقاده في الله وإقامته للصلاة يفسرّه بعض السلوكيين بتصورات تافهة استنتجوها من سلوك الحَمام "الخُرافي" الذي يحدث بسبب وضعه وهو جائع في صندوق سكنر المشهور فلا يفتأ يكرر حركات معيّنة رتيبة لأنّها صادفت التدعيم بالطعام.
 

ويعتبر الدكتور بدري أنّ من يقوم بالتقليد إنما يقوم بجريمةٍ اجتماعيةٍ أكاديمية وينعى على علماء النفس المسلمين هؤلاء حالَهم.

ويقول إنَّ مذهب المتعة هو النظرية القائلة بأنّ السلوك الإنساني يحدَّد بصفة رئيسة بالبحث عن المشاعر السارة وتجنب المثيرات غير المستحبة. وتلك هي القاعدة الأساسية لكل النظريات التعليمية التي تعتمد على التعزيز، وهذه الطبيعة الإنسانية الباحثة عن المتعة ليست بالطبع اكتشافًا جديدًا أتى به السلوكي "سكنر" بل هي أمر قديم قِدَمَ وجود الإنسان، وعلى كل، فإنّ فنون وأساليب الإشراط كان قد مارسها الإنسان قبل قرون كثيرة خلت ونظرية "سكنر" في الإشراط الإجرائي على وجه الخصوص كانت قد استخدمت بواسطة الجاهليين في تدريب كلاب الصيد وصقور الباز، وقد جاء ذكر ذلك مُبيَّنًا بوضوح في القرآن الكريم "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (4) المائدة.
 

ويرى أنّ من واجب علماء الاجتماع معرفة حقيقة المفكرين الغربيين عندما يكتبون عن الدين، فهم وبصفة عامة يعرضون وجهة نظر منحازة تأخذ من الإرث المسيحي المشوه، وكثيرٌ منهم تكون معرفته بالإسلام كعقيدة وطريقة حياة ضئيلة أو معدومة تمامًا، لذلك يجب على السلوكيين المسلمين ألا يتسامحوا فيما يخص عقيدتهم وإيمانهم . فما دام هناك إله يدير هذا الكون، من أصغر إليكترون فيه إلى أكبر مجرة نجمية، وما دام الله قد أنزل وحيه على أنبيائه لهداية البشرية، فيجب ألا يُنظَر للدين الحق، وهو الإسلام ككنيسة كاثوليكية عتيقة توزع صكوك الغفران مثل قسائم التدعيم، ولا يمكن أن يُتَوقَّع الإسلام فيكون "وكالة" أو "حكومة خاصة" يقع على عاتقها أمر السيطرة على الأفراد عن طريق الأخصائيين والقساوسة.
 

ويؤكد الدكتور بدري على التقليد الأعمى والمحاكمة غير العادلة وغير المتناغمة بين علم النفس الغربي وبين الواقع العربي والإسلامي فيقول أنّه في عادات قبيلة "البطان" السودانية غير الإسلامية البالية، يُجلَدُ فيها الشخص المتطوع أثناء احتفالات الزواج، حيث يكون العريس في أبهى حلّة، ينهالُ بسوطه ضربًا على ظهر الضحية المتحمس العاري دون أن تأخذه به شفقة، ويتحمّل الشخص جراحه الدامية بصورة تفوق التحمّل البشري، وكأنما هو تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وهنا تعزز الفتيات هذا العرض البطولي المتطرف من قِبَل صديق العريس، بزغاريد الفرح المعتادة، فكيف يا تُرى يقيِّم أخصائي النفس الأوربي هذه الممارسات كشكل منعزل عن السلوك؟
 

فالعريس السوداني لن ينظر إليه الأخصائي النفساني الغربي كشخص قاسي وشاذ السلوك من الناحية الاجتماعية فحسب ولكنه سيشخصه بأنّه فرد منحرف جنسيًّا يستقر اللذة والمتعة من إيلام الآخرين وفي كلمات أخرى، يعني أنّه شخص سادي، أمّا الصديق الذي وقع عليه ضرب السياط فيعتبره النفساني الأوربي فردًا ماشوستيًّا!
 

من وجهة النظر الإسلامية فإن الحفاظ على روابط الأسرة والقرابة ضرورة أما الاتجاه السائد المفرط الذي يقول "إنّ الطفل دائمًا على حق" فيُمكن أن يغرس في الطفل عدم احترام الوالدين ومن ثم العقوق.

أمّا "فرويد" فقد بادره الدكتور بدري بهجمة شديدة قائلًا: و قد طوّر فرويد وِجهةَ نظره المشوهَّة المنحازة عن الدين فقال أنّه: آفةٌ عصابيّةٌ شاملةٌ، وقال في كتاب آخر: يُمكن للمرء أن يتجرَّأ ويعتبر عصاب الوسواس القهري نظيرًا مرَضيًّا لتكوين الدين، كما وصف هذا العصاب كنظام ديني خاص ووصف الدين بالعصاب الوسواسي القهري العام. ويرى فرويد أنَّ مفهوم "الله" هو من صنع الوهم الإنساني، ويرثي فرويد للإنسانية الغارقة في عبادة وهم كاذب والذي صنعته نتيجةً لاحتياجاتها في طفولتها و يُضحِي من واجب علم النفس من واجب علم النفس التحليلي أن يُعرِّيَ الدينَ ويكشفَ القناعَ عن حقيقة الله تمامًا مثلما يمكنه كشف الحجب عن الأعراض العُصابية!!
 

ويعتبر الدكتور بدري أنّ من يقوم بالتقليد إنما يقوم بجريمةٍ اجتماعيةٍ أكاديمية وينعى على علماء النفس المسلمين هؤلاء حالَهم فهم يتّبعون مقولات غربية مثل "الآباء دائمًا على خطأ" ويرى أنّ هذه النظريات في علم نفس الطفل مع تطبيقاتها المعملية والعملية ربما تمثّل العامل الأساسي الوحيد المسؤول عما يُسمّى "موت الأسرة" في الغرب، لذا فإنّ نقل وغرس ممارسات تنشئة الطفل الأمريكية والأوربية يُمكن أن يكون لها أثر خطير في الأجيال المسلمة الناشئة، في ظل بعض النتائج الضارة التي بدأت تظهر في كثير من البلدان المسلمة المتمدنة، ويمكن أن يأتي ضرر كبير من قِبَل اختصاصييّ علم النفس المسلمين إذا ما غلَّفوا عملية التقليد هذه باستخدام حُجُب دخانية خادعة ومؤثرة في ذات الوقت، وبالتالي إقناع الآباء والمعلمين كي يناصروا عملية النقل غير المتكافئ والتي تؤدي في النهاية إلى أعراض "رفض" خطيرة.
 

ومن وجهة النظر الإسلامية فإن الحفاظ على روابط الأسرة والقرابة ضرورة يمليها الدين أما الاتجاه السائد المفرط في التدليل الذي يقول "إنّ الطفل دائمًا على حق" فيُمكن أن يغرس في الطفل عدم احترام الوالدين وهذا الاتجاه الذي ترك للطفل الحبل على الغارب يُمكن أن يسوقَه عندما يصبح راشدًا إلى أكثر الآثام بغضًا في نظر الإسلام وهو عقوق الوالدين وجحود فضلهما ويُمكن أن نوضح هذا أكثر بالرجوع إلى أستاذ علم النفس المسلم الذي يتطابق مع النموذج الغربي وهو ينصح الأب الشاب القلق على طفله الذي أفسده التدليل بأن يكون أكثر إذعانًا لطفله حتّى لا يُصاب الطفل بالعُصاب فالفعل الذي لا يلقى تعزيزًا أو مقاومةً ينتهى تلقائيًّا؟! وبهذا الحديث يجعل الأب يشعر بالذنب لأنّه عاقبَ ابنه الذي أساء الأدب مع أمّه!
 

هكذا كانت صيحة عالم النفس المسلم د. جمال بدري وكانت هذه التدوينة صداها، فمن يستَنقِذُ علماء النفس المسلمين من جحر الضبّ؟؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.