شعار قسم مدونات

بائعة البوظة الأميركية

blogs - ice cream

لقد عشت في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقارب العامين وقد كنت منذ صغري أستمع إلى ما يقال بأن في الغرب إسلام بلا مسلمين! وأننا كعرب مسلمين لكننا لا نتمتع بأخلاق الإسلام الحقيقية!، لم أكن أعي هذه الجملة ومعناها الحقيقي إلا حين سافرت إلى أمريكا وقابلت بائعة البوظة هناك، ثم توالت المواقف..

في يومٍ عاصفٍ من أيام شيكاغو الباردة توقفت بعد انتهائي من التسوق في أحد المتاجر أمام ركنٍ يبيع البوظة الإيطالية اللذيذة وقد كان معي شخصٌ آخر في خط الانتظار وكانت الموظفة المسئولة عن البيع منشغلةً بأمرٍ ما ، فانتظرناها ما يقارب الثلاث دقائق ثم عادت لنا بابتسامة جميلة وقالت لنا بالإنجليزية طبعاً : " أنا أعتذر جداً لأني جعلتكم تنتظروا ! ، ستكون البوظة على حسابي ، يجب علي أن أتحمل مسئولية خطئي لأني تركتكم تنتظروا في وقت دوامي!".

لا أدري كيف وصلت أمريكا لهذه المنظومة من الرقي في التفكير والأخلاق؟ لكن كل ما أعلمه أنني وجدت في بلادهم حقاً إسلاماً بلا مسلمين!

لم أستوعب ما قالته وأصبت بالذهول ولا أبالغ ! فأنا أصلاً لما ألاحظ تلك الدقائق الصغيرة التي انتظرناها بها! مضت ثوانٍ قليلة وكان كوب البوظة الإيطالية التي طلبت بين يدي ولازال عقلي منشغلاً بتحليل هذا الموقف وتفسيره!  ضحكت طويلاً بصمت! وبدأت أفهم معنى الأخلاق المفقود لدينا! فهذه الموظفة تحترم بل تقدس ساعات عملها! أمينة على وقتها ووقت الزبائن! قررت أن تدفع ثمن ما طلبناها من جيبها لتتلافى ما اعتقدت انه اساءة لنا لأنها تأخرت علينا دقائق قليلة! هي إذاً تعلم قيمة الوقت جيداً وتدرك أن تلك الدقائق الثلاثة ليسوا دقائق عابرة! هي تعلم أن الوقت كالسيف أكثر منا! 

ثم توالت المواقف في تلك البلاد الباردة، بينما كنت جالسةً في شقتنا الصغيرة ذات الغرفة الواحدة مع مطبخٍ صغير لا يكاد يتسع لمتطلبات المرأة العربية! ونافذة كبيرة لا ترى منها سوى الثلج الأبيض الذي يغطي كل شيء حتى أنه بدأ يتراكم على الزجاج، طرق الباب فاتجهت نحو الباب وقبل أن أنظر بالعين السحرية تفاجأت بصوت المسئولة عن البناية التي نقطنها تقول لي:" كيف حالك، لا يتوجب عليك أن تفتحي الباب إن كنتِ غير مستعدة لاستقبالي فأنا جئت إليك بدون موعد فقط استمعي لي من خلف الباب.." وأكملت حديثها وتشكرتها وذهبت!

 

غرابة الموقف جعلتني أتلعثم حتى عن التصرف! فقد أذهلني أنها تعي جيداً دون أن تدرك قوله تعالى وإذا قيل كم ارجعوا فارجعوا! تلك الآية التي لا نستطيع نحن كعرب أن نتقبلها أو نتقبل أن يردنا أحد عن بابه إن كان مشغولاً أو لا يستطيع السماح لنا بالدخول، هي ببساطة اعتذرت عن قدومها دون موعد وطلبت مني ألا أفتح لها الباب! فقط تريد أن تخبرني بشيء! من خلف الباب حتى!  لا أدري كيف وصلت لهذه المنظومة من الرقي في التفكير والأخلاق؟ لكن كل ما أعلمه أنني وجدت في بلادهم حقاً إسلاماً بلا مسلمين! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.