شعار قسم مدونات

جلسة مع الشيخ شريف أحمد

blogs - somal

في العاصمة الكينية نيروبي التقيتُ مع الشيخ شريف شيخ أحمد الرئيس الصومالي السابق، الرجل الذي كان في وقتٍ من الأوقات ملأ السمع والبصر في الإعلام الدولي والمحلي، حظي الرجل تغطيةً إعلاميةً لمّعت صورته وجعلته قيادياً من الطراز الفريد، وشوّهته في الوقت ذاته لشيءٍ ما في نفس يعقوب، فالإعلام الدولي لم يكن -على طول الخط- حيادياً في تناوله للقضايا ومقاربته للأحداث، الانحياز كان – ولازال- السّمة الأبرز لرسالته التحريرية، يتمادى في معاداة الأشخاص والدول بمجرد انتماءات أيدلوجية لا تروق لهم في الغالب.
 

تعرّض الشيخ شريف لحملة إعلامية ضارية مع بداية صعود نجمة السياسي أيام المحاكم الإسلامية عام 2006، وما تلاها من أحداث سياسية وعسكرية، وبحنكة ودهاءٍ منه اختار الشيخ شريف معسكر الاعتدال والوسطية ودخول حلبة المعترك السياسي الصومالي من أوسع أبوابها.
 

اتّسمت فترة الشيخ شريف بالهدوء السياسي مقارنةً بحالة الانفلات والغوغائية السياسية التي تعيشها الصومال مؤخراً.

لقائي معه كان بمحض الصُّدفة لم يكن مخططاً؛ أو تمّ تنسيقه بواسطة برتكوله الشخصي المرافق معه، فرّب صدفةٍ خير من ألف ميعاد، نسّق اللقاء بِعُجالة عبد الغني جامع المستشار بمكتب رئيس الوزراء الصومالي وعبد الله عبدي محمد رئيس حملته الانتخابية، وتمّ لقائي مع شيخ شريف أحمد في جناح الرئاسة بفندق " كابنسكي" ولم يكن الغرض هذه المرة مقابلة صحفية؛ إنما تسجيل زيارة خاطفة لا علاقة لها بالعمل الإعلامي، أردتُ أن أجلس وأرتشف معه قهوة المساء، وأقدم له المشورة اللاّزمة، وهو بدورة رحّب بي وترك لديّ انطباعاً قوياً بأنه مشروع لاعبٍ سياسيٍ قادم يعود إلى المسرح بعد غياب دام لسنوات.
 

يُقابل الشيخ شريف في " كابنسكي" ضيوفه من كبار الشخصيات الصومالية، وكأنه رئيس منتخب فعلاً، هكذا بدّت لي الصورة في أول وهلة، رجل تحيطه هالة ووقار وبريق السلطة، وخِدم من الصوماليين والكينين تحت رهن إشارته، رجل عاش فترة من عمره تحت دائرة الضوء وصولجان السلطة، ويبحث من جديد أن يتربّع كرسي الرئاسة، إنها مشكلة السلطة يُصاب المرء بإدمانها، لا يستطيع الفكاك أو التخلي عنها، وفي سبيلها يدفع الغالي والنفيس.
 

ليس هو الوحيد من مرشحي الرئاسة الذين قابلتهم هنا في نيروبي العاصمة السياسية الثانية للصوماليين، تلتقي بسهولة مع السياسي الصومالي – الذي يحيط نفسه في الصومال بمجموعة من الحرّاس- في الفنادق والمقاهي الكينية، استمعتُ إلى برامجهم السياسية، ورؤيتهم للخروج من حالة الفوضى وغياب النظام ، تحرّكهم رغبة التغيير الجامحة، يساورهم الأمل في أن الصومال دخلت مرحلة سياسية مختلفة فيها من اللاّعبين الدوليّين مالا عدد ولا حساب لهم، المعادلة الجيوسياسية لم تعد كما كانت عند معظمهم، أما الشيخ شريف فلا يختلف عنهم جميعاً، وإن كان يفوق بعضهم التجربة والممارسة، ينتقد عن دراية، ويقترح الحلول وعينه مصوبة في مكامن الخلل.

استقبلني الشيخ شريف عند بوابة جناحه المُخصّص، صافحني بحرارة، وقادني باتجاه مكان جلوسه مع الضيوف، لم تكن معه سكرتارية تدوّن ما يقوله، مدّ يده وتناول القلم والورق ليكتب ملاحظاته، هذا التصرف يظهر لي بوضوح أن الرجل تمّ تدريبه، وتلقى دروساً مكثفة في فن الإتيكيت، وخلال تعاملي مع القادة الصوماليين لم أر فيهم من يعطي أهمية ليدوّن ما يقوله الزائر، أو يسجل ملاحظاته، مجتمع شفهي لا يعتمد على التوثيق، يتخذ قراراته بناءً على مشافهة وثرثرة عابرة.

وقبل سنوات عندما زرتُ أوغندا لمهمةٍ صحفية أجريتُ مقابلة -نُشرت في مجلة الجزيرة الإلكترونية- مع أمير المسلمين في أوغندا، الذي ينحدر من قومية " بوغندا" أخذت أوغندا تسميتها من هذه القبيلة العريقة، بعد مقابلتي صحفية مع الأمير الدكتور قاسم بدر نوح، حاولت الاتصال مع الشيخ شريف أحمد؛ لإجراء حوار لصالح مجلة المجتمع الكويتية، لم أوفق في إجراء الحوار معه، سافر الشيخ شريف حينها خارج أوغندا، كان كثير الترحال متنقلاً بين عواصم أوغندا والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، لاستحالة ظروف عيشه داخل العاصمة الصومالية مقديشو.

بدأ حديثه معي مباشرةً وبلا مقدمات بأنه مُرشَح رئاسي سيخوض السباق في نهاية الشهر يناير الجاري، ويطمح إلى استكمال ما انقطع من المشاريع التنموية، ففي عهده 2012 خرجت الصومال من المرحلة الانتقالية بعد جهود مكثّفة ومُكلفة، وبتنسيق مستمر مع الحكومات الإقليمية، لم تعرف الصومال أيام حُكمه التجاذب والاستقطاب السياسي الحاد الذي نشهده في الآونة الأخيرة، ولا باشا الوزير فوق الوزراء، والذي بسببه دخلت الصومال أزمة سياسية عويصة كادت تعصف بأجندة الكيان الصومالي، وأحدثت شرخاً في منظومة الدولة برمتها.

وفي عهده أيضاً عادت الصومال إلى دائرة الضوء العالمي بعد المجاعة التي شهدتها الصومال عام 2011 وطول غياب الصومال عن الساحة الدولية، ودخول تركيا بقوة على الساحة الصومالية بعد الزيارة التاريخية التي قام بها رجب طيب أردوغان ولفته أنظار العالم للقضية الصومالية، وضرورة التحرّك العاجل لإنقاذها.

هم خِصلة في شخص الشيخ شريف -التي لاحظتها أثناء جلستي العابرة معه- المرونة السياسية الفائقة، وقدرته على التكيّف مع المتغيرات.

اتّسمت فترة الشيخ شريف بالهدوء السياسي مقارنةً بحالة الانفلات والغوغائية السياسية التي تعيشها الصومال مؤخراً، تشكّلت قوى صومالية في الأطراف تعمل جنباً إلى جنب مع المركز وفق أجندة وطنية واضحة، وفي الوقت الحالي تحوّلت الصومال -برأيي- إلى دولة مركزية، كل مفاتيح السلطة والثروة بيد مجموعة سياسية تتمترس خلف أسوار "فيلا صوماليا".

الدستور يأتي في صدارة مشاريعه التي نجح في صياغتها وشكّل لها لجان أضافت فيه بنوداً مهمة، ووفّرت هامشاً من الحرية للقوى والكيانات الصومالية. وهي حرية يؤمن بها الشيخ شريف، وبدونها لا تستطيع الصومال الانطلاق نحو الأمام، وتحقيق إنجازاتٍ على الأرض.

أهم خِصلة في شخص الشيخ شريف -التي لاحظتها أثناء جلستي العابرة معه- المرونة السياسية الفائقة، وقدرته على التكيّف مع المتغيرات، وهي صفة من أهم الصفات الواجب توافرها للقائد الطموح، وفي كتابه " حياة في الإدارة" للغازي القصيبي الوزير والشاعر الأديب الذي تقلّد عدة حقائب وزارية ومناصب سيادية في المملكة العربية السعودية، وهو كتاب يُعتبر من أهم المراجع للسياسي والإداري معا، جمع فيه غازي القصيبي عصارة تجاربه في العمل العام، يقول فيه: إن المرونة هي مفتاح العمل للسياسي الناجح، وضمان الاستمرارية في المناصب.

أتمنى أن يكتب الشيخ شريف مذكراته، ويؤرّخ للحظة مفصلية وفارغة من التاريخ الصومالي، فالمحاكم الإسلامية تجربة لها سلبياتها وإيجابياتها، فالرئيس الصومالي الأسبق العقيد عبد الله يوسف كتب مذكراته "النضال والمؤامرة" وأراح ضميره، وعبّر عن وجهة نظره، وتسجل التاريخ الصومالي الحديث بأنه أول رئيس يعود إليه الفضل في بناء مؤسسات الدولة في مقديشو العاصمة، وفتح القصر الرئاسي "فيلا صوماليا" أبوابها على مصراعيها بعد أن كانت ثكنة عسكرية يأوي إليها أحد أباطرة الحرب في الصومال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.