شعار قسم مدونات

العودة إلى الهوية!

blogs- الجزائر

إحياء التاريخ.. عودة إلى الهوية
تشهد العلوم الإنسانية عودة قوية لتقارب وتحاكي العلوم الدقيقة والطبيعية في إنجازاتها، من خلال محورة العقل حولها وتطور المفاهيم والمناهج الّتي عادت بنتائج مبهرة نقلت الإنسان نقلة نوعية في التفكير والاستنتاج وربط الفكر مع الواقع ربطا تكامليّا ترقّى بالنّفس الإنسانية وانطلق في الإجابة عن تساؤلات العصر. ولعلّ دراسة التّاريخ من أهم العلوم الإنسانية التي تعود بالإنسان إلى منبته، وتفلسف وقوفه على أطلاله ليعيد ربط ماضيه بحاضره، ويؤصّل لصياغة شتات ذاته التي انفصلت عن وعيه وهويته وامتداده.
 

وقلّة الاهتمام بهذا الجانب المهمّ من التّراث الإنساني عامّة والجزائري خاصّة، يجعل حلقات الأمّة الإسلامية منفصلة ويعتريها الغموض والشّتات وكذا الخلاف والتناقض؛ لاحتقار فنّ التاريخ وفلسفته باعتبارها متجاوزة لا تسمن ولا تغني من جوع النهم العلمي، الذي لا يرتوي إلا بالحقيقة الثابتة والواضحة والدقيقة التي لا جدال فيها، بالإضافة إلى العولمة الّتي تركت ضلالها على كلّ العالم وانقلب إلى قرية صغيرة تتحكّم في علاقاتها وسائل اتصال جديدة تلغي كل المسافات وتهدد الهويّة الوطنية والحدود الثّقافية والخصوصية الحضارية، ودفع إلى دقّ ناقوس الخطر في العودة إلى الأصالة الجزائرية على كلّ المستويات.
 

توجيه طالب العلم في إحياء تاريخ العلم والعلماء وسيرهم ومؤلفاتهم والإحاطة بعصورهم وتأثيراتها وتحقيق تراثهم.. هو بمثابة استيقاظة تعود بالإنسان الجزائري المسلم إلى وعيه المفقود.

فالتّاريخ الجزائري بحاجة لعودة سريعة إلى أسسه ومنطلقاته وإنجازاته وإعادة ربط أحداثه بالشّخصية الجزائرية الحالية التي لا تدرك الأرض التي تقف عليها، و لا تعلم من أين بدأت وكيف وصلت وما العوائق التي سببت الأزمات الراهنة ابتداء من العقل وصولا إلى تطبيقات هذا العقل ونتائجه.
 

وقد تراوح هذا الماضي بين ازدهار وانحسار ترك آثارا إيجابية وأخرى سلبية لا يزال يعاني منها المجتمع الجزائري الذي طبع عقله الجمعي على خرافات وأكاذيب وخزعبلات وتلفيقات وترقيعات، ركبها تركيبا عشوائيا ليصنع بها تاريخا يظن أنه الماضي المشترك الجزائري الذي تتشدق به الكتب دون بحث وتنقيب عن هذا التاريخ ورجاله الأفذاذ، في مقابل الإنجازات العلمية والأمجاد التحررية والتي ظلت أيضا حبيسة المخطوطات التي لم تحقق بعد، وأخرى ضمن رفوف المكتبات البلدية والوطينة والتي فعل بها الزمن فعله.
 

هذا الجهل بالماضي الجزائري شكّل منه شخصية متذبذبة لا تقف على أرض صلبة تنطلق منها نحو المسيرة العالمية وجودا وتأثيرا، بتفعيل عقيدتها التوحيدية وشريعتها الإلهية وتحقيق رسالتها الوسطيّة وشهودها الحضاري في ترشيد السّلوك الإنساني في تعامله السّلبي مع الإنسان والطّبيعة والكون.
 

وفي تسليط للضّوء على طبقة الشّباب الجزائري -اليوم- باعتبارهم قوّة مؤثّرة في التّأسيس نحو التّقدّم العالمي ونقطة مركزيّة في الدّفع الحضاري، وإلقاء نظرة على واقعه توحي بعقدة النقص والدونية التي ركبت في نفسه وكرّست قوقعته على نفسه وإمّا في تشبثه واتباعه لأي نموذج مطروح على الساحة الفكرية والاجتماعية من أجل التقولب فيه كبديل عن الماضي الضبابي لتاريخه وغياب حلقة الوصل بينه وبين الحاضر.
 

وتوجيه طالب العلم في إحياء تاريخ العلم والعلماء وسيرهم ومؤلفاتهم والإحاطة بعصورهم وتأثيراتها وتحقيق تراثهم.. هو بمثابة استيقاظة تعود بالإنسان الجزائري المسلم إلى وعيه المفقود وخاصة أن التاريخ الجزائري غائب ومغيب أيضا جعل من الإنسان الجزائري كائنا مجهولا بغير تاريخ ولا حاضر ودون نظرة استشرافية للمستقبل.
 

فتاريخ الجزائر عريق عراقة شعبه ولن تعاد صياغة الشخصية الجزائرية الواعية والناجحة والمتحضرة إلا بالعودة إلى ماضيها وإخراجه إلى مشكاة الواقع وعرضه على المناهج التاريخية واستنباط مقومات النهضة منه، في إنعاش للذاكرة الجماعية نحو طريق استعادة الهوية الجزائرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.