شعار قسم مدونات

ماذا يُعرضُ لِمستقبلِ العالم؟!

blogs - child - algeria

لطالما كانت مرحلةُ الطفولةِ هي المرحلة الأهم والأكثرُ حساسية ً في مراحل نمو الإنسانِ وتشَّكُلِ وعيهِ وثقافتهِ وعاداتهِ وسلوكياتهِ، التي غالباً ما ترافِقُهُ طيلة سنين حياته. وبما أنَّ الوعي يتَشَّكَلُ من البيئة المحيطة، إما بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فإن الالتفات إلى ما يتلقاه الطفلُ من معلوماتٍ وتعاليم والحرصَ على إعطائه الجرعاتِ المناسبة ذاتِ التركيبِ السليم هو أمرٌ ضروريٌ وأساسي.

أحدُ هذه الجرعات يأخذها الطفلُ من الموادِ الموجّهة له، سواء كانت هذه المواد مكتوبة في قصصٍ ورواياتٍ تندرجُ تحت ما يسمى "أدبُ الأطفال"، أم كانت مواد إعلامية من أغانٍ وبرامجَ أو قنوات أطفال بشكل أعم. فهل نحنُ حقاً نراعي انتقاء المواد المناسبة التي يتعرضُ لها أبناؤنا الصِّغار؟ هل نحرصُ على قراءتهم أو مشاهدتهم مواد تثري فكرهم وتنهض به وفي الوقت ذاته تُسّليهم؟
 

ألوانُها ورسوماتُها جميلة لكن ماذا عن محتواها؟ كلنا قرأنا بالطبع سابقاً أو ما زلنا. غالبيةُ القصصِ التي تُقَدم للطفل مفرغة من المحتوى، وليست تطمحُ لتعليمِ وزرعِ القيم في الطفل وإنماء عقلهِ ووعيه، وهو الهدف الأول والأسمى الذي يجب أن يكون، وإنَّما تهدفُ إلى إلهاء الطفل وتسليتهِ في قالبٍ ساذج يهين عقلَ الطِّفلِ ويستخف به بطريقة مبالغةٍ فيها.
 

اﻷهم أن نعرف كيف نختارُ لأبنائنا ماذا يقرؤون وماذا يشاهدون. ولنعلمَ أن ما نزرعهُ اليومَ في أطفالنا سنراه غداً في مستقبلِ هذا العالم.

حتى إنَّ البناء القصصي لهذه الحكايات يكونُ ضعيفاً جداً وخصوصاً طريقة التَّدرجِ للنهايات التي تكون عادية ً جدا وخالية من العبر والمعاني. والواقع أن الحالَ ليسَ مختلفاً بالنسبة للمواد والقصصِ المدمجة ضمنَ المناهجِ التعليمية. فما ذكرتُهُ سابقاً ينطبقُ عليها كذلك، وقد يصاب الطالبُ المُطَّلعُ بنوعٍ من الصدمة حين يكتشف أن المناهج التعليمية تَحصرُ تفكيرهُ على هذهِ القصص، بينما هو وجد غيرَ هذه القصص قصصاً أخرى وروايات تزخر بالقيمة الأدبية والمعرفية أكثر بكثير من تلك التي أُدرجَت في المناهجِ التعليمية.
 

والسؤالُ هنا: من يكتبُ قصص الأطفال؟ أي ما هي اختصاصاتهم وهل يمكنُ لأيٍّ كان أن يكتبَ في أدبِ الأطفال؟ الجواب سيكون بالطبع لا، أعتقد أنه يجب أن تكونَ هناك شروطٌ معينة للكاتب حتى يتَمّكن من دخول هذا الحقلِ الأدبي، كأن يكونوا أصحابَ خبرةٍ وشهادات مختصة ذات علاقة بنفس الطفل وسلوكياته ليتمكنوا من مخاطبةِ عقولهم بطريقة صحيحة وبناءة.
 

في مشهدٍ آخر، تجلسُ مذيعة تتقنُ الحديث بلهجة "دلوعة" تزعم فيها أنها تتحدث لغة تقارب لغةَ الأطفال، وتبدأ برنامجها الموجّه للأطفال باستضافةِ عددٍ من الأطفال، ثم يتمحورُ كل بناءِ الحلقة حول الدب الدمية الذي يساعدُ المذيعة في التقديم وحول أسئلة " نت بتعرف ترسم؟" "شو موهبتك؟ " " بتحب الرقص والغناء" "مين بتحب أكتر بابا ولا ماما؟"، فلا أدري هل ليست هناك طرقٌ أخرى لتسلية الطفل غير هذا الغثاء؟ وهل ابتكار طرق جديدة وفعّالة تسهم في زيادةِ وعي الطفلِ وتعليمهِ والتجديد في هذا النوع من البرامج أمرٌ في غايةِ الصعوبة؟
 

تُكملُ المشهد قنواتُ الأطفالِ الغنائية التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية، وبكلمات مجردة من المعاني وبموسيقى صاخبة، تحاول تغطيةَ عجز الكلمات وضعفها، تكون تلك القنوات أحرقتْ ما كان تبقى للطِّفلِ من مخزون لغوي وفكريّ وثقافيّ، فحولت الجيل الحالي إلى جيلٍ يحب سماعَ الموسيقى والرقص ولا يحب أو يستوعب قوالب لبرامج أخرى مفيدة ومسلية ! وبهذا يكون المحتوى والمضمون الموجّه للطفل ضاع واختفى وتوارى.
 

هناكَ أمرٌ آخرٌ علينا جميعاً أن ندركهُ، وهو أن فكرة "الطفل لا يلتفت إلى أمور غير الرقص والرسم والغناء" هي فكرةٌ أوهمنا بها أنفسنا حتى صدّقناها؛ لنريح أنفسنا فقط. وما يثبتُ عكسَ هذه الفكرة هو نجاحُ وتفوقُ قناة الجزيرة للأطفال "جيم" ببرامجها المنوعةِ والمميزة والهادفة، التي تشد اهتمام الطِّفل وتجذبه لمتابعتها بل إنها نجحت كذلك في جذب الكبار للمشاهدة.
 

والصحيحُ أنَّ هناكَ بديلٌ عن كل شيءٍ غيرُ مناسب؛ فاﻷهم أن نعرف كيف نختارُ لأبنائنا ماذا يقرؤون وماذا يشاهدون. ولنعلمَ أن ما نزرعهُ اليومَ في أطفالنا سنراه غداً في مستقبلِ هذا العالم. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.