شعار قسم مدونات

فقدان الهوية الإسلامية وضياع الأمة

blogs - هوية إسلامية

لا شك أن أي أمة تريد النهضة والرقي لا بد أن تستند في هذا الأمر الى هويتها، والمقصود بالهوية هو مجموع الصفات والسمات وطرائق العيش والتاريخ التي تمتلكها كل أمة كي تميزها عن الأمم الأخرى، والمقصود بالهوية على مستوى الأمة الإسلامية ليس الهوية القطرية وليس هوية قومية أو عرقية فالحديث هنا عن الجامع الأكبر لكل هذه الهويات التي تنصهر في هوية إسلامية واحدة وموحدة لهذه الهويات.

 

بدايات فقدان الهوية الإسلامية تاريخياً

لا بد من التفريق بين ضياع الهوية الإسلامية للأفراد وبين ضياعها في المجتمعات، ولذلك فقد يكون من أخطر أشكال فقدان الهوية الإسلامية في مجتمعاتنا أننا لسنا أمام فقدان كامل للهوية وإنما تشويه وتخليط فيها.

بدأت حملات التغريب والعلمنة وبداية ضياع الهوية الإسلامية في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر وخاصة في مصر ،فبعد حملة نابليون وقدوم محمد علي للسلطة بدأت عمليات التغريب في المجتمع المصري على قدم وساق ، وبدأت عمليات زرع بذور العصبيات القومية والوطنية في المجتمع المصري ،فنجد مثلاً حسن العطار وتلميذه رفاعة الطهطاوي وبداية نشرهما للأفكار الوطنية في مصر ، وعلى مدار قرن كامل بعدها انتشرت هذه الأفكار في بلاد العالم الإسلامي انتشار النار في الهشيم ،ووُجد من يروج لها في لبنان وسوريا وقامت ما يسمى بالثورة العربية الكبرى عام 1916 معتمدة على تعصب للعروبة في مواجهة الخلافة العثمانية ،وانتشر بعدها العديد من الكتاب والمثقفين الذين تربوا على موائد الغرب وجاؤوا الى مختلف الدول والأقطار الإسلامية لينشروا فيها قيم الغرب ومبادئه في مجتمعاتنا.

 

بلغت حملات التغريب أوجها في عام 1924 عندما أعلن مصطفى كمال اسقاط الخلافة العثمانية وضاعت حينها الدولة الإسلامية التي كانت تساعد على حماية وحفظ هوية الأمة وتراثها، واستمرت بعدها حملات التغريب مع فترات الاحتلال الأجنبي للدول الإسلامية ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن فقدنا مفهوم الهوية الإسلامية بالنسبة للمجتمعات بشكل عام وتفشت بيننا الانتماءات القطرية والقومية والطائفية لتوصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم من حالة ضياع الأوطان وتحكم الدول الخارجية ببلداننا بمختلف الطرق الممكنة من استعمار مباشر وغير مباشر.

 

مظاهر فقدان الهوية الإسلامية في المجتمعات

لا بد من التفريق بين ضياع الهوية الإسلامية للأفراد وبين ضياعها في المجتمعات، ولذلك فقد يكون من أخطر أشكال فقدان الهوية الإسلامية في مجتمعاتنا أننا لسنا أمام فقدان كامل للهوية وإنما تشويه وتخليط فيها ويتجلى هذا الأمر في عدة عوامل من أبرزها:

 

1-العلمانية وأثرها التخريبي الواضح بفصل الدين عن الدولة مما سبب ضياع هوية الدولة والتي من المفترض أن تكون هوية إسلامية واضحة تمثل قيم ومبادئ المجتمع التي تنتمي إليه.

 

2-توجه بعض فئات المجتمع وخاصة من الشباب نحو الأفكار الغربية التي تتعلق بنظم الحياة والانبهار بها وجعل الغرب قدوة لهم في هذه الأمور والتركيز خاصة على المظاهر الخارجية الشكلية ومحاولة تقليدها وفي هذا مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضبا لسلكتموه".

 

3-الهجمة الكبيرة من بعض من يسمون بالمثقفين في مجتمعاتنا على الهوية الإسلامية ووصفها بالتخلف والرجعية والدعوة لهويات مستوردة من الدول الغربية لا تمت بصلة لواقع مجتمعاتنا وتاريخها.

 

بعد مرور عشرات السنين ومحاولات تغيير هوية الأمة ومحو مفاهيمها الأساسية وإلباسها عباءات العلمانية والشيوعية والقومية وغيرها، والتي أوصلتها الى هذا الحال لم يعد من حل سوى العودة لهوية الأمة الحقيقة المتأصلة والمتجذرة في وعي شعوبها.

إشكالية الهوية الإسلامية والهوية الوطنية أو القومية

في كل إنسان حبٌ وميل للأرض التي نشأ وترعرع فيها ،ولكن هذا لا يعني تعصب الانتماء لهذه الأرض ومن هنا ظهرت مصطلحات مستوردة من الغرب كالهوية الوطنية أو القومية الجامعة وفي مثل هذه المصطلحات إثارة للنعرات العرقية وتشجيع على التعصب لها وعلى التفرقة بين شعوب العالم الإسلامي، فأصبحنا نسمع هذه الأيام بالهوية المصرية أو التركية أو السورية بينما منذ نشأة الإسلام وجدنا أن الهويات القطرية والقومية ذابت وانصهرت في الهوية الإسلامية الجامعة بعد بداية الفتح الإسلامي لمختلف الدول وعلى مر تاريخنا لم يحصل تعارض بين الهوية القومية والهوية الإسلامية في أغلب الأحيان إلا في حالات نادرة لم يكن لها أثر كبير في تاريخنا.

 

لماذا الهوية الإسلامية هي الأساس لعودة نهضة الأمة؟

في العالم الإسلامي لدينا تربة إسلامية قوامها تاريخ أمة عمرها أكثر من 1400 عام فإذا لم نزرع فيها بذوراً تصلح لهذه التربة وبدلاً من هذا عملنا على إحضار بذور غربية كالهويات العلمانية أو القومية وحاولنا زرعها في تربتنا سيخرج لنا دائماً لنا نبتات مشوهة وذابلة لا تستطيع العيش في هذه التربة مهما حاولنا أن نطورها ونحسنها.

 

يقول الله تعالى في محكم التنزيل "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ". الهوية الإسلامية هي الوحيدة التي جمعت هذه الأعراق والأخلاط من البشر تحت راية واحدة على مدار مئات السنين الماضية، ونحن نرى الآن آثار ضياع هذه الهوية على مجتمعاتنا كيف أدت إما الى انتشار مظاهر التمييع والانسلاخ والتبرؤ من هذه الأمة وتاريخها وإما الى انتشار مظاهر الغلو والتطرف وخصوصا بين فئات الشباب، والتي تعتبر قوام هذه الأمة وعصبها الرئيسي في عودة عجلة النهوض والتقدم، وما دمنا لم نعد لهويتنا الإسلامية الأصيلة سنبقى تابعين لهويات الأمم الأخرى ومتعلقين بهم لا نستطيع الانعتاق عنهم.

 

والآن بعد مرور عشرات السنين ومحاولات تغيير هوية الأمة ومحو مفاهيمها الأساسية وإلباسها عباءات العلمانية والشيوعية والقومية وغيرها، والتي أوصلتها الى هذا الحال لم يعد من حل سوى العودة لهوية الأمة الحقيقة المتأصلة والمتجذرة في وعي شعوبها، فالهوية الإسلامية هي التي حققت عز وحضارة هذه الأمة في القديم وحققت لها التفرد والتميز عن باقي الأمم وهي أملها الوحيد في الحاضر وحتى في المستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.