شعار قسم مدونات

المقاومة كفعل حضاري!

blogs - اليمن

نظرًا لوضع اليمن المتردي في جميع المجالات، أبرزها السياسي والاقتصادي، ولإن هذا الوضع المنهار والكارثي نتيجة للاستبداد والاستفراد بالسلطة، وفهم الحكم على أنه حق حصري وخاص بسلالة أو عائلة، وصلت البلاد إلى ما وصلت اليه، من انهيار منظومة الحكم، التي هي هشة أصلًا، وصعود المليشيا للسطو على الدولة، وهو أسوأ طارئ حدث للدولة اليمنية منذ عقدين من الزمن، تمثّل هذا الطارئ بكون هذا الصاعد دودة نهشت كل شيء متمثل بالعقل الجمعي والوعي الأصيل، وطمست، بالقوة النازية، هوية وثقافة الدولة عند الشعب، الذي يحلم منذ القدم بدولة يستند عليها عند المُلمّات والشدائد!

 

الثورة فعل سلمي، عبرت عنها الجموع بصورة بالغة في الوجدان، كانت السلمية أبرز عناوينها، عرّت وفضحت نظام صالح الأسطوري بشعاراتها فقط، فضلًا عن مضامينها.

اليمن، هي أحق بالمقاومة من غيرها، ويليق بها الرفض والغضب دون سواها، ولأنها كذلك، أو يجب أن تكون كذلك، انطلقت شرارت ثورتها المجيدة في فبراير 2011، سطرت تاريخ عظيم، ووضعت النقاط على الحروف، أثبتت الثورة أن الناس، كل الناس، لا يحتاجون الا لمن يحرّك فيهم الجامد، وسيغضبون عن بكرة أبيهم، لم يخرج الناس تقليدًا لأحد، بل خرجوا لأنهم أحق بالخروج من غيرهم، وليس هذا وحسب، بل إنهم تأخروا كثيرًا بفعل ذلك، حيث أن كل شروط الاحتجاج كانت متوفرة، وكل الأركان مكتملة، وهذه ميزة توفرت في اليمن دون سواها!

 

الثورة فعل سلمي، عبرت عنها الجموع بصورة بالغة في الوجدان، كانت السلمية أبرز عناوينها، عرّت وفضحت نظام صالح الأسطوري بشعاراتها فقط، فضلًا عن مضامينها، أظهر بوليس "صالح" أنه مجرد جدار يحمي بيت الزعيم وقصره الفخم وحسب، جمع المخلوع كل الوحوش حوله، وجلب الناس لحمايتهم، وأطلق عليهم "الجيش اليمني"، بنى هذا الجيش العتيد من دماء الناس وقوتهم، وفجأة، بثورة عارمة انفجرت هذه البالونة وانتهت وتلاشت إلى الأبد، ويوم، لطالما عمل "صالح" على تغييب الشعب وتخديره بالأوهام والحِيل، عمل على تجهيله بكل الوسائل والإمكانيات، خشية أن يثور أو يغضب، ولكنه لم يكن يعرف أن العصر غير عصره، والزمان الذي استخدم فيه أساليبه التدميرية لم تعد صالحة لجيل يرى فيه عنصر هدم وسواد حالك يجب أن ينتهي دون رجعة!
 

بعد هذا الحدث العالمي التاريخي الكبير، تجبّر الاستبداد وتغطرس، استخدم شذّاذ الآفاق ليقضي على خصومه، الذين حشروه في قصره، ككائن وحيد لم يعد يطيقه أحد سوى حاشيته وبنيه، وقناته، كان شيئًا من الماضي، حتى ولو بقى حاضرًا، فهتلر انتهى، وقبله فرعون، بعد كل هذه التطورات، كان التاريخ مع موعد عظيم، تمثّلت مهمته المقدسة في الحفاظ على أهداف الثورة، والانتصار للمظلومين، وردع الظالم المتكبر المتغطرس، لم تأت "المقاومة" عبثًا، ولم تكن فعلًا لحظيًا، بل إنها امتداد عميق وأصيل لثورة 2011 العظيمة، مرتبطة بالغضب والرفض الصارخ للظلم والغطرسة والفوضى والاستبداد، وتصحيح لمسار الثورة، المقاومة تقويم للعقل الجمعي وترسيخ ثقافة ال "لا" لكل أشكال الاستبداد، فماذا لو كان إرهابًا أو عنف مسلح؛ بالطبع سيكون الغضب مضاعفًا، ويجب أن يكون أشد وطأة من أي وسيلة أخرى!

 

المقاومة هي أبرز تجليات الحضارة وأرقى أساليب الدفاع عن حقوق الإنسان، خلق الإنسان في كبد، في صراع مع الحق والباطل، وجُبلت فطرته على عدم التبعية والخضوع لبشرٍ مثله، فهل يستقيم الحال أن يتم اخضاع هذا الإنسان لفكر جماعة تقول أن الحكم -الذي تم السطو عليه من قِبلهم بقوة المال والسلاح- هو حقها الحصري بلا منازع؟! الصراع السياسي فرضيات الواقع ومعطياته، لا دخل لكونك حاكم يجب أن تكون من سلالة هاشم أو من أتباع بلال الحبشي، وإن حاولت فرض نفسك بصفتك من عيال النبي المصطفين سيرفضك البشر ويلعنونك، وهو ما تقوم به المقاومة الآن في الأودية والسهول بكل اقتدار وشجاعة!

 

المقاومة أجمل ما أنتجته التحديات الطغيانية، ولأنها فعل حضاري عظيم، يخاف الناس أن يتم تجميد فعلها من قبل التنظيمات والأحزاب السياسية.

أن تقاوم، أي أنك تقوم بعمل جمعي، كان من المفترض أن يكون دستور يرجع اليه كل الناس كوسيلة للحفاظ على الحقوق، إنها، أي المقاومة، أحد أهم أساليب الدفاع عن النفس، ليس من الضروري أن تكون المقاومة مسلحة، ربما تكون مقاومة سلمية، يجتمع الناس فيها للاحتجاج والرفض، والشيء الذي لم يتحقق بالسلم سيتحقق بقوة السلاح، الردع "المقاومة"، وسيلة هامة لتقنين امتلاك القوة، معنى أن تُسّخر تلك القوة للانتصار للمظلومين من الظالم، كان فردًا أو جماعة أو حكومات، هو أن تقف إلى صف المقهورين والمظلومين بكل الوسائل المتاحة، كفلت ذلك كل الديانات السماوية، وحق امتلاك الدفاع والغضب حق قانوني ممتد بنيانه حتى السماء، وكذلك القوانين والتشريعات، ولا أفضل من مقاومة تساعد الناس والشعوب على ترسيخ ثقافة الدولة في وعي وعقول الجماهير، إنها أقدس الأقداس!

 

إن المقاومة أجمل ما أنتجته التحديات الطغيانية، ولأنها فعل حضاري عظيم، يخاف الناس أن يتم تجميد فعلها من قبل التنظيمات والأحزاب السياسية، لا يستقيم الحال أن يتم فعل الشيء الكارثي الذي تم فعله مع الثورة الشبابية في 2011، يتم تحويل المقاومة، الذي يلتف حولها كل الناس، إلى أزمة ينتهي حلها بجلسات مغلقة للمخابرات الدولية، لهي الكارثة بعينها، وفشل ذريع يتكرر في الأحداث الجارية، ويجب أن يفهم الجميع، أن مهمة المقاومة تكمن في كونها آخر الوسائل لتثبيت الدولة والقانون، وايقاف النزيف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وليس من السهل استخدام المقاومة ككرت ووسيلة لتحقيق أغراض سياسية بائرة، وتُصبح ورقة حارقة، بعد أن كانت أمل الناس وآخر أحلامهم!

 

ألف تحية للأقدام الحافية، التي تقاتل من أجل كل الناس، وتدافع بالنيابة عن الجميع، كل المجد لأولئك المعذبين في الأرض، وهم يعبرون الموت كل ساعة، لكم النصر يا تاج هذه البلاد المغدورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.