شعار قسم مدونات

إلى صغيرتي هُناك

blogs- حلب
إلى صغيرتي هُناك! أخُطُّ أحرفي الباليةَ تلك؛ لا قلمًا يَقدِرُ على الكلِمِ أمامَ عينيكِ هاتين، ولا تَسعهُ لغةٌ تَصِفُ ما حَلَّ بكِ وبأحبابِنا، لَكَم نحنُ عجزي عن هذا!

 

أخبريني يا مُهجتي كَم تكرهينَ قومي ومَن يَكتبُكِ الحين؟!، حَسبي تلكَ العيون أنْ تُنبِئَني بما يملأُ السويداءَ بك، بتلاطمِ صورِ القتلِ والفَتك، بالأحاديثِ المُدججةِ ببغضِ العرب، بالأنينِ الذي يعلو أسوارَ الروحِ الفَقيدة، بمشهدِ أبيكِ الذي مُزِّقَت أوصالُه بأيدٍ عَفِنَة -مَزَّقَهُم اللهُ كل مُمَزَّق- بأمُّكِ الثكلى وهي تنوحُ على أخيكِ الذي لَم يبلغِ العشرينَ بَعد، ونَحنُ هَـٰهُنا نَبصُرُ ذاكَ من هواتفِنا الكُحَحِ..

 

الفاجعةُ يا مُهجتي أنَّ الخيبةَ تغمرُنا!، لا قلبًا يَصلحُ لجهاد، ولا أرواحًا تَصمدُ في ثبات، لا عِلمًا يلمِسُ الأفواه، ولا في سجودٍ تَخشَعُ الجِباه، غَمِسونَ في الفانيةِ يا حبيبتي.

نكتبُ مقالاتٍ أدبيّةٍ مُنَمَّقةٍ في محاولةِ التنفسِ من العجزِ القائمِ في نفوسِنا، تعلوها لفظاتُ الألمِ والآهات، وقد يأتي البعضُ باستعاراتٍ وتشبيهاتٍ بليغة تُوصِلُ ال " آه " من قِيعانِ الروحِ إلى الحلقوم، أقولُ لكِ يا صغيرتي: كل هذا ولَم نَسْطَعِ البوحَ بَعد "لَم نَسْطَعِ الكَتب"، هذا الذي يُتقِنُهُ كثيرٌ مِنّا، ولكن لا يُتقِنونَ الحديثَ عمّا يرونَ بكِ يا حبيبتي، لا نُحسِنُ خَليصَ قَولٍ يفي ما حَلَّ بكم صِدقًا، إذِ الجرحُ مُوجِعٌ ولَم نَذُقْ عَلقمَه بَعد عيانًا "عَلَّ الأمرَ لاحِقُنا"، لا نُجيدُ نعتَ قلوبِنا بالهَزلِ والهشاشِ المُمَزِّق، نعتَ نزيفِها الصامت، هذا الذي يُؤَرِّقُ جوفَ الرُّوحَ وثناياها، لا يُضَمَّدُ ولا يلتَئِمُ جُرحُه، فقط يُخبرُنا بمدى العَجزِ القَعيدِ هذا، ويزجّ بنا في سجونِ الذلِّ والهَوان..

 

الفاجعةُ يا مُهجتي أنَّ الخيبةَ تغمرُنا!، لا قلبًا يَصلحُ لجهاد، ولا أرواحًا تَصمدُ في ثبات، لا عِلمًا يلمِسُ الأفواه، ولا في سجودٍ تَخشَعُ الجِباه، غَمِسونَ في الفانيةِ يا حبيبتي، نُعينا وما نَزَالُ نَنطِقُ الأنفاس، فمتى نلفظُ آخرَها؟!؛ عَلَّ الحسرةَ تَنضبُ في التماس!، ألصقنا الأعذارَ على جدرانِ الأفئدةِ الهشيمة، تلكَ السقيمة التي تَذروها الصَّبا " الرياح الخفيفة "، فما بالُ الدَّبورِ بها ؟!، أَستَقَت من الذلِّ كأسًا؟، بئسَ الشرابُ؛ إنَّ الخِزيَ لاحِقُنا..

 

الأكثرُ إعياءً لهيكلِنا الكَسير اضمحلالُ الخُطى المَنشودة، بَيدَ أنَّ بعضَها لَم يُشْرَعِ البَدءُ فيها، هزالُ جماجمِ البلاد؛ إذْ لا قلبَ يبصر تلك الحالَ يا حبيبتي!، مرادُهم سلامٌ يجلبُ الحروبَ إلينا، على أعتابِ بيوتنا الهَرِمة، فنغدو في مَناصٍ من عدوٍّ جائرٍ كان يخافُنا يومًا، تَصيحُ قلوبُنا وجعًا، و يَنحتُ الألمُ جُدرانَ أرواحِنا التي باتت أنقاضًا بينَ مشاهدِ الهَرج، حلمنا نَجاةٌ ممّا وقعَ بنا، فنستغيثُ ولا مُغيثَ لنا إلّا هو ـ سبحانه ـ ، إنَّ الأمرَ يا حبيبتي مَنوطٌ بفسادٍ وقرَ في قلوبِنا، فما لَبِثَ حتى أرداها، فما كانَ إلا أنْ نُساقَ رعيّةً في سبيلِ الشتات، مَنوطٌ بعرجي البلدان، أولئك مَن خَلَّفوا الذعرَ بسلامِهم الزائف، إنْ يُريدونَ إلّا خَرابًا..

 

إنما لَم تَفقهِ القلوبُ المِحنَ بَعد يا حبيبتي، جديرٌ هذا بأنْ يجعلَكِ في قُنوطٍ منّا، أنْ تُغلقي مكتوبي الرديء هذا، وتصرخي بوجهِ العربِ أجمع "أفٍّ لكم ولما عَمِلَت أيديكم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.