شعار قسم مدونات

إبادة الأجيال القادمة على يدينا!

blogs - عدوى

ما الذي ينتظر العالم بعد عدة أعوام؟ قد يجول في بالك مزيدٌ من التطور مزيدٌ من التكنولوجيا. هذا هوَ الحلُمُ الذي لا نسعى إليه نحن كعرب بل نكتفي بانتظار الغرب واليابان ليحققوهُ لنا! هم بعقولهم ونحن بأموالنا. نملأ بطوننا ونشبعُ رغباتنا ونبقي عقولنا فارغة! أظن أننا نترقٌّب غذاءً من صنعِهم يصُبُّ في العقل أيضاً! فنحن نريد كل شيءٍ على الجاهز! لسوء الحظ أننا لم نكتفي بذلك فحسب! بل أننا تطاولنا على حق الأجيالِ القادمة بحياةٍ سليمةٍ سلميَّةٍ سعيدة!

عمَّ أتكَلم؟ علَّ الحديث في هذا الأمرِ ليطول! لكن يكفيني قول إننا السبب في إبادة أحفادنا أو أحفادهم. لا أدري متى ستقعُ الكارثة! لكنها تبدو حتميَّةً لا محالة! وبعدَ أن أسأل الله ألا تحدُثَ من الأساس! أسأله ألا تشملنا فنذوبَ بفِعلِ الكارثة بحدوثها قبلَ أوانها!

معظم مرتادي المستشفيات هذه الأيام لا يؤمنون بفعاليةِ شيءٍ أكثر من المضاد الحيوي حتى وإن جهلوا ماهيّة المرض الذي أصابهم! فإن خلا الأمرُ من طبيبٍ عديم الضمير يصِفُ المضاد لأتفهِ الأسباب ليريح رأسَه من الفحص الفيروسي.

مجددا عمَّ أتحدث؟ عن الجهل! الجهل الطبي الذي يحيط بالعالَمَ بأسره اليوم! علَّ الجهل في مجال الصحة ليسَ بالأمر الجديد لكن الأمر تعدى مرحلة الاستهتار بحياة المريض شخصياً لتَبكيه وسائلُ الإعلام يومَين ثمَّ ينساهُ العالم و يبقى في ذاكرةِ أهله ! بل أصبحَ جريمةً في حقنا وحق أحفادنا القادمين للدنيا! عندما يمرض أحد أفراد العائلة سرعان ما تهرع الأم لخزانة الأدوية الموجودة في المنزل التي تجد فيها ما يتجاوز حاجة العائلة بأكملها بل والجيران أيضاً! لا تكمن المشكلة الحقيقية هنا! إنما في سوء استخدام هذه الأدوية
 

فما أن تمعن النظر في هذه الخزانة وتجوب في أرجائها يميناً وشمالاً لن تقع عينيك على شيء سوى المضاد الحيوي! وربما بضعةُ أشرطة من خوافض الحرارة أو مسكنات الآلام! انشغل العالم بالتخويف من الفشل الكلوي وأمراض الكبد التي تسببها مسكنات الآلام ونسيَ الطّامة الحقيقية! المضادات الحيوية! نعم! تلك الحبة التي تتناولها بكل بساطة بمجرد أن تمسَّكَ شوكة أو تعطُس أو تشعر ببعض الألمِ في حلقك.

ما بك! ألا يعطينا طبيبَ الأسنان مضاداً عندما تلتهِبُ اللثة أو ينتزِعُ إحدى ضروسنا؟ نعم يا سيدي المضاد حلٌّ فعال لكل الأزمات لا تقلق فهو إن لم يفدك لن يضرك! أخبرتني قريبتي أنهم يحتفظون بشتّى أنواع الأدوية في جيبِ السيارة حتى إذا ما وقع اختيارهم على إحدى المطاعم أحضرت أمهم -حفظها الله- إحدى أشرطة الأدوية ووزعت عليهم حبّة حبّة وأحياناً يحدث أن تمزج بين مضادٍ حيويٍ ومضادٍ للحموضة. فمن يدري علَّ في هذا الطعامِ سمٌّ دفين فيسحقُه المضاد الحيوي قبل أن يبدأ! تفعلُ الأم ذلك خوفاً على فلذاتها! لكنها لا تعي أنها بذلك تتسبَّبُ بنشرِ وباء مقاومة المضادات الحيوية!

معظم مرتادي المستشفيات هذه الأيام لا يؤمنون بفعاليةِ شيءٍ أكثر من المضاد الحيوي حتى وإن جهلوا ماهيّة المرض الذي أصابهم! فإن خلا الأمرُ من طبيبٍ عديم الضمير يصِفُ المضاد لأتفهِ الأسباب ليريح رأسَه من الفحص الفيروسي وغير ذلك تجد المريض ملحاً على أن يكتب له الطبيب مضاداً حيوياً! المضاد دواءٌ لداء لكنَّ الآية أوشكت على الانقلاب رأساً على عقب ليصبح المضاد الحيوي داءً نبحث له عن دواءٍ!

ساهم في نشر الوعي وإن لم تكن طبيباً أو صيدلانياً فالكارثة إن حلّت حلّت علينا جميعاً دون استثناء!

فمع الاستهتار في استخدام المضاد الحيوي أصبحَ العديدُ من الأفراد مضادين للمضاد! مما يعني أن هذا المضاد الحيوي إذا ما أعطيَ لهذا الفرد مرة أخرى فلن يجدي نفعاً معه! لماذا؟ لأنَّ صديقنا لم يكمل جرعته مثلاً! فمجرد زوال المرض عنه أوقف المضاد الحيوي عند اليوم الثالث أو الرابع أو أنه لم يكن مصاباً بمرضٍ بكتيري وتناولَ المضاد الحيوي غيرَ واعٍ لخطورة الأمر أو أنه يعتبر المضاد الحيوي "ملبّس" يشتريه من الصيدلِيِّ الباحث عن المربح متى ما شاء!

دعني أخبرك بأمر هل تذكُر أول مرة تذوقتَ فيها القهوة؟ مُرّة! أليس كذلك؟ إلا أنك مع الوقت استطعمتها! كذلك تماماً المرض في جسدك! البكتيريا عند أول جرعات من المضاد الحيوي تجدها مرّة لاذعة إذ يبدؤُ المضاد بقتلها لكنها تستمر في المقاومة ومحاربة المضاد الحيوي إذا ما توقفت عند ثالث أو رابع يوم فقد سمحت للبكتيريا باستطعام دوائك! والتغلّبِ عليه فيصبح عند المرة القادمة غذاءً يقويها بدلاً من أن يقتلها! فيصبحُ جسدك مقاوماً لهذا المضاد الحيوي وكذلك مع آخر وآخر وآخر حتى تنتهي بأقوى أنواع المضادات الحيوية التي بمجرد أن تستهتر فيها ستصِلُ إلى نهاية الدَّرب.
 

وتصبحَ بداءٍ دونَ دواء! وتكتمل القصة عندما تنقُلِ العدوى إلى أحد أفراد عائلتك لتنمو في جسده تلك البكتيريا الصارمة التي لا تُمازحنا أبداً ونغدو مجتمعاً كاملاً بداءٍ دونَ دواء! ومن ثم نندثر من الوجود أو نقاوم حتى ننقل المرض إلى أحفادنا وأحفادهم وننجلي كما ينجلي النهار تدريجياً والعديدُ العديد من الأسباب والروايات التي تبدءُ ولا تنتهي. ساهم في نشر الوعي وإن لم تكن طبيباً أو صيدلانياً فالكارثة إن حلّت حلّت علينا جميعاً دون استثناء!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.