شعار قسم مدونات

هولوكوست القرن الواحد والعشرين

blogs - Nazi
لا ريْب أنّ من بيْن المجازر التي حفظها التاريخُ، بل ومازالت إلى اليوم وصمة عارٍ للبشريّة في عصر ما بعد الحداثة، هي ما يُعرفُ بحادثة الهولوكوست، بل إنّ هذه الواقعة تُدرَّسُ اليوم في الجامعات كأبشع انتهاكٍ لحُقوق الانسانِ، رغم أنّه لم يقع تأكيدُ صحتها من عدمه وقد صُنفت مؤلفاتٌ عديدةٌ نفت صحتها واعتبرت أنّ الغرض منها إنشاء دولة إسرائيل وتقمص دور الضحيّة.

إلى اليوم ما زال البعض يحْتجُّ بالهولوكوست كشذوذٍ نازيٍّ عن الحضارة الأوروبيّة النقيّة من الدماء والقتل، ويعتبرون أنّ هتلر فلتة وأنّ النظام النازي الذي قادهُ هذا الأخيرُ انقلاب جليٌّ على المجد الأوروبي الذي شيّدهُ الإغريق واليونان والرومان… والواقعُ يكشف العكس تماماً، فبشاعةُ هتلر مستوحاةٌ من بشاعة الأوروبيين أنفُسهم وذلك ما أكده ريتشارد روبنستين، حيثُ اعتبر أنّ الهولوكوست شاهد عيان على تقدم الحضارة الغربيّة. ويُوافق في ذلك بومان عندما قال في كتاب الحداثة والهولوكوست:

"لقد نشأنا نحنُ الغربيين على احترام الكفاءة التقنيّة والتصميم الجيد وتقديسهما، ومن ثمّ ليس بإمكاننا إلاّ أن نقر بأننا في تمجيدنا للتقدم المادي الذي حققته الحضارة الغربيّة قد استهنا بقوتهما الحقيقية الكامنة أيما استهانة". فلوغوس العلم والتقنيّة قد خلقَ مأساة للبشريّة قد تُنهي الحياة على وجه البسيطة في أيّة لحظة.

ومن أبشع الجرائم الأسديّة نذكر الهجوم الكيميائي على الغوطة، المجزرة التي وقعت في الغوطة شرق دمشق في أوت 2013 والتي راح ضحيتها 355 شخص نتيجة تسمم عصبي.

ولكنّ البشريّة اليوم في القرن الواحد والعشرين، تعيشُ على وقعِ هولوكوست جديد أشد بشاعةً وأكثر فظاعةً مما اعتبره العالم نُقطةً سوداء في السلّم الزمني، قد يكون ما فعله هتلر ومن معه من الفاشيين بشعٌ إلى درجةٍ تفوق الخيال، ولكن ما تقترفه اليد البعثيّة اليوم في أرض الشام أشد بلا ريب. فلم تعُد الشام منارة العلم ومنبع العُلماء والمُفكرين ولؤلؤة العرب ووجهة طلبة العلم والمُتعلمين، بل هي اليوم بؤرة توترٍ، ومرتعٌ للدواعش من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى أرضٌ يقصفها النظامُ قصفاً عشوائياً بصنوف الصواريخ والقنابل المُحرّمة دولياً، وبمعيّة أسطول فرصوفيا الحربي الذي غزا أرض الشام واستولى على ثرواتها ومدَّخراتها، الطاقيّة والتاريخية وكُل الموروث الحضاري والثقافي الذي رُسخ منذ آلاف السنين.

زد على ذلك التدخُل الأجنبي ووفود المُقاتلين الأجانب الذي يُناصرون النظام بكُل بسالةٍ ويزيدون الطين بلّة، وقد اعتبر الباحث ريشارد باريت في دراسته "المقاتلون الأجانب في سوريا" "أنّ المُقاتلين الأجانب في صف النظام هم أساساً من إيران، العراق، لبنان". ويُمكن إضافة روسيا نظراً لمُساعداتها الجليّة للنظام من خلال تزويده بالغطاء السياسي والمالي والدعم العسكري. وقد فكّ براين مايكل جنكيس في دراسته "ديناميكية الحرب الأهليّة السورية" رموز التقارب الروسي الأسدي حيث اعتبر أنّ: الأسد هو الحليف الأخيرُ المُتبقي لروسيا في الشرق الأوسط، وهو أيضاً المُستهلك الرئيس للأسلحة الروسيّة، والمستضيف للقاعدة البحريّة الروسية الوحيدة في المياه الدافئة.

وقد حُددت مشاركةُ حزب الله بحوالي 3000 و4000 شخص بنهاية مارس 2014. والمهمة الكبرى لمقاتلي حزب الله هي التدريبات التي قدموها للجيش السوري النظامي، ووحدات الشبيحة، والمليشيات العراقية المواليّة للنظام، والكتائب القتاليّة الوافدة من دولٍ أجنبيّة على غرار دول شمال إفريقيا.
كُل هذه الدوّل جعلت من النظام حليفاً لها ومن الثورة عدواً، وذلك للحفاظ على ما تبقى من الروح البعثية ولحفظ مصالح شخصية، إذ أنّ تورط الداعمين الأجانب للأسد كان لأجل مصالحهم الخاصة، وفق ما اعتبر مايكل جنكيس.

تواصل الحكومة السورية أيضا فرض الحصارات التي تؤثر على أكثر من 200 ألف مدني.

كُل هذا الجُهد النظامي والتدخُل الأجنبي الهدف منه هو للقضاء على روح ثورة أشعل فتيلها شعب أراد أن يشتّم رائحة الربيع العربي، ويخرج من الأوتوقراطية الأسديّة والتسلّط النظامي ويعيش شكلاً من أشكال الحرية والديمقراطية، التي لطالما كان يرنوا إلى بلوغها.

والمُلفت في الرقعة الجيوسياسية اليوم في سوريا أنّ كُل تقدمٍ للنظام يُصاحبه نزيف كثيرٍ من الدماء للشعب السوري، وهذا الانتهاك الصارخ لأساسيات الحياة البشرية انطلق مع أول صيحة سوري طالب بالحريّة وبأبسط حقوقه البشريّة.

ومن أبشع الجرائم الأسديّة نذكر الهجوم الكيميائي على الغوطة، المجزرة التي وقعت في الغوطة شرق دمشق في أوت 2013 والتي راح ضحيتها 355 شخص نتيجة تسمم عصبي من بين حوالي 3600 حالة تمّ نقلها إلى المُستشفيات وفق ما ذكرته منظمة أطباء بلا حدود.

وقد أثار هذا الانتهاك امتعاض منظمات حقوق الإنسان العالميّة، ذلك أنّه دليلٌ قطعي على شدة بشاعة النظام، علاوةً على الفيديوهات والصور التي تناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لضحايا السلاح الكيميائي من أطفال رُضَّع ورجال عُزَّل ونساء حوامل وشيوخ.

ومن جرائم النظام العاتية أيضاً نجد البراميل المُتفجرة والتي تهاطلت من السماء ففجرت قرى ومدن، ومسحت كُل معالم الحياة على سطح بعض المُحافظات، ولم تُبْقِ على أي من المنشئات العمومية، فدمرّت المستشفيات والمساجد والمقابر والإدارات والمدارس والمعاهد، ووأدت الحياة. استخدمت هذه البراميل على نطاق واسع في حلب ودريا، ويُشار إلى أنّه وقع إلقاء أكثر من 6000 برميل في دريا فقط خلال ثلاث سنوات، وقد حددت "هيومن رايس واتش" أكثر من 450 موقع متضرر بشكل هائل جراء قصفه بالبراميل المتفجرة بين فبراير 2014 ويناير 2015.

الحرب ثم الحرب، الدماء ثمّ الدماء في وجه شعبٍ أعزل خرج للشوارع ونادى بأعلى صوته يُريد الحرية فحسب يريد العيش بكرامة، يبحث عن حقوقه الضائعة منذ قرون.
وفيما يلي بعض ما ورد في التقرير العالمي لحقوق الإنسان لسنة 2016: 
استمرت الحكومة في شن غارات جويّة عشوائية، شملت إسقاط أعداد كبيرة من قنابل مصنوعة من البراميل على المدنيين، في تحد لقرار مجلس الأمن رقم 2139 الصادر في 22 فبراي 2014.


استخدمت الحكومة استراتيجيات الحصار لتجويع المدنيين لإخضاعهم وفرض المفاوضات عليه التي من شأنها السماح لها باستعادة الأراضي.

هذه نبذة عن بعض جرائم النظام الشنيعة. يُشار إلى أنّ عدد القتلى بلغ 70 ألف شخص اليوم وفق بعض الاحصائيات. تعيشُ سوريا اليوم حرب بسوس شعواء لا ندري من يقف وراءها ولا من يُحرك دواليبها ولا نعلم المُستفيد منها، ولكن نحن مُتأكدون بلا ريبٍ أنّ الشعب السوري وحده هو المُتضرر منها.

كثُر الحلفاء وكثُر الأعداء وارتفع منسوب القتال، وفي كُلّ يومٍ يزداد عدد القتلى ويزداد عدد المُشرّدين والمُهّجرين قسراً.

الحرب ثم الحرب، الدماء ثمّ الدماء في وجه شعبٍ أعزل خرج للشوارع ونادى بأعلى صوته يُريد الحرية فحسب يريد العيش بكرامة، يبحث عن حقوقه الضائعة منذ قرون.

70 ألف شخص قُتل و4 ملايين من اللاجئين وأكثر من 640 ألف شخص يعيشون تحت حصارٍ طويل الأمد في سوريا. هل يوجد كارثة إنسانية مرّ بها التاريخ أفظع من هذه الكارثة؟ فما تعيشه سوريا اليوم هو فعلاً الهولوكوست الحقيقي وما سوى ذلك فلا شيء يُذكر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.