شعار قسم مدونات

القضاء والمبادرة التشريعية المقننة دستوريا

blogs - مطرقة القاضي
تختلف المبادرة التشريعية حسب اختلاف الأنظمة السياسية المكرسة دستوريا، فمنها، ولعل أهمها النظام البرلماني الذي يعتد بالفصل المرن بين السلطات، من خول لسلطة التنفيذية الممثلة من قبل رئيس الدولة ورئيس الحكومة، المساهمة في الوظيفة التشريعية المناطة بعهدة ممثلي الشعب من خلال تقديم مشاريع قوانين في إطار المبادرة التشريعية المكرسة دستوريا. وتندرج هذه المبادرة ضمن تدعيم وتسهيل العمل التشريعي للبرلمان في إطار التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لغاية تعزيز الصرح القانوني بما هو سبب رئيسي لتقدم المجتمعات الإنسانية. 
غير أن هذا التعاون كشف عن محدوديته، لا سيما وأن الدساتير لم تعهد للسلطة القضائية إمكانية اقتراح مشاريع قوانين، الغاية منها تنقية الترسانة القانونية من الثغرات والتناقضات التي تمثل تهديدا لماهية النصوص التشريعية ولحقوق الأفراد. في ظل بطء العمل التشريعي وتعدد النقائص القانونية، يتجلى لنا الدور الخلاق للقاضي من خلال اتخاذ قرارات مبدئية واستنباط مبادئ عامة إلى جانب الـتأسيس لنظريات فقه قضائية هامة، الأمر الذي ساهم في إثراء المنظومة القانونية عموما والترسانة الفقه قضائية خصوصا.

وظيفة البت في النزاع تحتم علي القاضي ، أمام تعدد النقائص القانونية، إيجاد حلول بناءة تساهم في إثراء النص القانون.

وسيتعمق هذا التمشي من خلال دور القاضي في إرساء مبادئ وقواعد وأحكام القانون الإداري، حيث يعتبر هذا الأخير قانونا قضائيا بالأساس وهو ما يمثل تجسيدا واضحا لمعطى الإبداع القانوني. كما تجدر الإشارة، إلى أن القاضي في إطار تطبيقه للقانون، ما فتئ يحدد العيوب والمآخذ القانونية لغاية إرساء قرار عقلاني يعد ضامنا لحقوق الأفراد. وهو ما كشف عنه دور القاضي الدستوري الذي ساهم في توسيع مفهوم العدالة الدستورية من خلال قرارته البناءه.

وعليه، فإن تمكين القضاء من المبادرة التشريعية من شأنه تحسين جودة التشريعات وتخليصها من التناقضات لغاية تجنب تضارب الأحكام من جهة وضمان تناغم وانسجام القواعد القانونية من جهة أخرى. كما أن لهذه المبادرة بعد تشاركي هام الذي بدا مؤسسا لتعاون بين السلطتين التشريعية والقضائية؛ الأمر الذي يساهم في عقلنة مبدأ الفصل بين السلطات. علاوة على هذا، تمثل المبادرة التشريعية – القضائية مجالا فاعلا لتعزيز الوظيفة الإبداعية للقاضي الذي لا يقتصر دوره على تطبيق القوانين وفض النزاعات، وإنما أضحى له دور فاعل في تشييد الصرح القانوني للمجتمع.

فإلى أي مدى يمكن إقصاء القضاء من المبادرة التشريعية في ظل الحضور المكثف للدور الخلاق للقاضي؟ أليس من المجحف اقتصار السلطة القضائية على فض النزاعات؟ ألا تشكل هذه المبادرة التشريعية – القضائية مجالا لتدعيم دولة القانون؟ ألا تمثل هذه المبادرة تعزيزا صريحا للوظيفة التأطيرية للقانون؟ ألا تؤسس مشاركة القضاء في الوظيفة التشريعية، مجالا لتدعيم الحقوق والحريات بما هي تجسيد لمدنية الدولة؟

وأخيرا تجدر الإشارة، إلى أن القاضي يمثل المؤسسة التي تسهر على تطبيق القانون، فهو ذلك المسؤول الذي يستنتج مقصد المشرع في ظل التناقضات القانونية. كما أن وظيفة البت في النزاع تحتم على القاضي، أمام تعدد النقائص القانونية، إيجاد حلول بناءة تساهم في إثراء النص القانون وذلك للحفاظ على حقوق المتقاضين، مما يجسد الدور الخلاق للقاضي.

وبالتالي، فإنه من الضروري اليوم إسناد المبادرة التشريعية، دستوريا، للقضاء نظرا لدوره الفاعل في إثراء المنظومة القانونية للمجتمع. فتقدم الصرح القانوني للمجتمعات يقاس بتقدم جهازها القضائي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.