شعار قسم مدونات

إرهاب 2017

blogs-الإرهاب
ليلة الحادي والثلاثون من ديسمبر من كل عام تنهال علينا التصريحات والمقولات الداعية للتفاؤل والتي تفيد دائما بأن القادم أجمل وأكثر أمنا وسلاما، وأن الإرهاب في الطريق للنهاية، وما إن تدق الثانية عشر صباحا لبدء العام الجديد ترمي الأحداث بتلك المقولات إلى ما وراء الشمس لنوثق في سجلات العام الجديد أول حادث إرهابي، والسؤال الدائم من أين يأتي هؤلاء بالتفاؤل؟

ولكن ما هو أهم من هذا السؤال هو لم تفشل توقعات هؤلاء؟ وإن كان سؤال تقليدي وإن كانت إجابته مكررة كل عام إلا أنه لا بد من التذكير، والتذكير هنا ليس من أجل إفساد أعوامكم بقدر ما هي رغبة في مستقبل خالي من الإرهاب، وإن كان ذلك مستحيلا وفقا للطبيعة البشرية.
 

تنظيم القاعدة تمكن بصورة كبيرة من إعادة هيكلة ذاته، واستغل الأفعال الإجرامية لتنظيم داعش في الترويج لذاته والظهور بصورة أكثر مشروعية عن غريمه ومنافسه.

أسباب استمرار الإرهاب عدة ممزوجة ما بين سوء فهم وغباء وضيق أفق وقصر رؤية ومصالح للبعض، فمن ناحية تأتي النظرة الدائمة للإرهاب بكونه جاهل وغاشم ولا دين له كأحد أبرز العوامل لنجاح التنظيمات الإرهابية ولكم في داعش وأخواتها عبرة، ومن ناحية ثانية تأتي توجهات بعض الدول وازدواجية تعاملها مع التنظيمات الإرهابية لتخديم البعض على مصالحها عامل هام من عوامل انتشار الإرهاب وانقلابه فيما بعد على حلفائه وأتباعه ولكم في بلاد الأفغان عبرة.

دعونا نعترف ونتفق على أن للإرهاب فكر وفكر يحترم فقد فاق العديد من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الكبرى على مستوى العالم، وقد نجحت خطط العديد من تلك التنظيمات على مر العقود الماضية ولكم من الشهود الكثير، كما دعونا نعترف أن للإرهاب دين ودينه ناتج عن تجاهلنا الواضح للتجديد في الفقه وإعادة النظر فيما تحتويه الأدبيات والنصوص من أشياء لم تعد ملائمة لما نحن عليه الآن، ودعونا أيضا نقول أن باب الاجتهاد متاح في أدبيات الفكر الجهادي بصورة أكبر مما عليه في مؤسساتنا التقليدية، ويمكن أن يلاحظ ذلك أي قارئ للفكر الجهادي.

ما نراه في العام الجديد ليس انتهاء للإرهاب ولا تحجيما وإنما إعادة نظر وإعادة ترتيب أوراق وتغير في خريطة الجماعات الإرهابية وعملياتها وخططها واستراتيجياتها، وتنقلها ما بين المدارس الإرهابية المختلفة التي وضعها المنظرون من قبل ووضعوا أدق التفاصيل، تلك التغيرات لم تكن من قبيل رغبتهم في التغيير ولكن من باب أن لكل فعل رد فعل، ودراستهم الجيدة دائما لتحركات المناهضين، والعوامل التي تدفع التنظيمات نحو التغير في استراتيجيتها عدة، فمن ناحية يأتي شكل النظام السياسي في الدول المصدرة ودول القيادة المركزية والدول المستهدفة والعلاقة الطردية ما بين قدرة النظام على تلبية متطلبات المواطنين وانتشار الإرهاب بها، ومن ناحية أخرى يأتي موقف الرأي العام والتناول الإعلامي من التنظيمات وعملياته أحد أبرز الوسائل للتنبؤ بشكل العمليات القادمة وحجمها وعددها، إلى جانب هذا وذاك تأتي تعامل الأنظمة مع الدين واستخدامهم له في مناهضة الإرهاب عاملا آخر ولك في فتاوى قتل تلك التنظيمات للمسلمين عبرة.

أخيرا تأتي شكل العمليات التي تقوم بها الدول المناهضة للإرهاب كوسيلة من وسائل تحديد أنماط وشكل العمليات التي تقوم بها التنظيمات، فاستهداف تلك الدول للمدنيين يسمح لتلك التنظيمات بالأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل وتقلل من النفور جراء استهدافهم للمدنيين.

فتحت السجلات وسجلنا اليوم أول عملية إرهابية في العام 2017 باستهداف ملهي ليلي بتركيا، فما هو القادم؟ وما هو شكل الإرهاب بالعام الحالي؟ وما يتوجب علينا تأمينه كلها أسئلة مطروحة ويجب مناقشتها بجدية إذا ما أردنا الحد من الإرهاب.

من ناحية الدول التي نرى أنها ستشهد النصيب الأكبر من العمليات الإرهابية هذا العام فنقول إنها "تركيا، والمملكة العربية السعودية" وتركيا لأسباب عدة أولا للموقف التركي من الأوضاع في سوريا وثانيا من تفاقم الأوضاع السياسية في الداخل التركي والاعتقالات المتزايدة في صفوف المعارضين إلى جانب عدم إنهاء ملف الأكراد إلى جانب الصدام الدائم من المنظمات اليسارية، والسعودية لأسباب عدة أبرزها التورط الذي أصبح لا مخرج منه في اليمن، والتورط الواضح في الأزمة السورية ومساندتها بعض الفصائل المعارضة، إلى جانب تواجد العديد من السعوديين في التنظيمات الإرهابية الذي سيطرح إشكالية في التعامل معهم حال العودة مجددا خاصة وأن السعودية لها سابقة غير حسنة في ذلك بالتعامل مع العائدين من بلاد الأفغان، من ناحية أخرى نرى أن الدول الغربية ستكون الأقل استهدافا تلك الفترة خاصة وأن تنظيم داعش شهد تراجعا وضعفا كبيرا في الفترة الأخيرة.

من المحتمل أن يعود مفهوم العدو البعيد مرة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية في ظل تصريحات الرئيس المنتخب "ترامب" وإعادة هيكلة تنظيم القاعدة.

من ناحية التنظيمات التي ربما تتصدر المشهد هذا العام فنقول تنظيم القاعدة، الذي تمكن بصورة كبيرة من إعادة هيكلة ذاته، واستغل الأفعال الإجرامية لتنظيم داعش في الترويج لذاته والظهور بصورة أكثر مشروعية عن غريمه ومنافسه، وانتشاره بصورة واضحة في اليمن كموقع من المحتمل الخروج منه بدولة الخلافة في الوقت الذي يشهد فيه تنظيم داعش فقدانه لرموزه التاريخية في الترويج لفكرة الخلافة الإسلامية "دمشق وبغداد" والتي ساعدت بصورة كبيرة على نموه وكسبه لمؤيدين.

من ناحية المواقع المستهدفة من قبل الإرهاب هذا العام فنقول استمرار استهداف التجمعات الجماهيرية نظرا لكونها الأبرز والأكثر تداولا من الناحية الإعلامية، والأقل من ناحية التكلفة على تلك التنظيمات إلى جانب صعوبة تفادي مثل هذه العمليات حال التسلل والبدء في تنفيذها.

من ناحية التغيرات التنظيرية فمن المحتمل أن يعود مفهوم العدو البعيد مرة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية في ظل تصريحات الرئيس المنتخب "ترامب" وإعادة هيكلة تنظيم القاعدة، وربما تتقاسمه معها روسيا خاصة مع الموقف الروسي من الأزمة السورية ومساندة نظام الأسد.

من ناحية الاستراتيجية المتبعة من قبل التنظيمات فنقول إنه من المتوقع الاعتماد على مدرسة "الإرهاب الفردي وإرهاب الخلايا الصغيرة" والتي يعنى بها تلك العمليات التي تقوم بواسطة مجموعة أفراد أو فرد واحد أو خلية صغيرة، وذلك نظرا لتراجع مدرسة "الجبهات المفتوحة والمواجهات المكشوفة" والتي ثبت فشلها في محاولة إقامة دولة إسلامية في العراق وسوريا من قبل تنظيم داعش إلى جانب استخدام المناهضون للإرهاب القوى الجوية في مواجهته.

ختاما، ظاهرة الإرهاب أعمق بكثير من مجرد تنبؤات وكل ما يكتب في هذا الصدد هو من باب الاجتهاد والقراءة المتأنية للفكر الجهادي عامة، وفكر الجماعات الموجودة على الساحة خاصة، وعليه فأن ما أشرنا إليه هو مجرد قراءة وليس مؤكدا، ولكن المؤكد أن الإرهاب مستمر باستمرار النهج المتبع في مواجهته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.