شعار قسم مدونات

متى يجب أن ينقلب الاختلاف لخلاف؟

الخلاف
من الطبيعي أن نرى في الاختلاف سنة كونية وإضافة نوعية تعطي للحياة، وأكسيرا ضد الملل وتعطينا الأمل للتطلع لآفاق لم نكن نحلم بها من قبل. الاختلاف غالبا ما يعني شقه الإيجابي، فالكل يتبجح بقبوله للآخر، من أشخاص وحتى دول. 

الحق في الحياة أصبح شيئا عاديا ولا يناقش، لكن كيف سيعيش الإنسان هنا التساؤل؛ لذلك هذا ربما يحيلنا إلى إشكالية كبيرة: متى الاختلاف ومتى الخلاف؟ بمعنى آخر ما حدود اختلافنا؟ وكيف لنا أن نعد الخلاف حلا؟ رغم ما يحمله من دلالات أقل؟

لم أشأ أن أكتب عن الاختلاف كمفهوم مضاد للخلاف في الاتجاه الواحد الذي يتخذه معظم الناس، فأصبح الموضوع مستقرا لكل زائر غير مرحب، نغفله في كثير من الأحيان، على أن الشق السلبي في الاختلاف هو حجة للخلاف، ومن يعد بأن الاختلاف دائما إيجابي فعليه أن يراجع مفاهيمه، فالحياة دائما ما تحتمل وجهين رغم وحدتها بالأحرى. مفهوم أثار القيل والقال.

التوجهات الكبرى لثقافة معينة تؤثر على أفرادها أرادوا أم لم يريدوا ما دمت تكسبهم هوية، وما دامت لا تنتقص بأي شكل من الأشكال بالمنطق العقلي لأعقلهم، لكن حينما يريد أحدهم الخروج من الثقافة السائدة فالصراع حتمي

يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير رينيه ديكارت: "إن اختلاف آرائنا لا ينشأ عن كون بعضنا أعقل من بعض، بل ينشأ عن كوننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة، ولا نطالع الأشياء ذاتها". مقولة تشرح نفسها بنفسها لكن ربما ما تخفيه أعظم مما تظهره، فإذا عدها محبو"الاختلاف الجميل" داعمة لأطروحتهم فليعلموا أن الأمر لا يؤخذ بمطلقه، وأن ديكارت فتح الباب لإشكالية كبيرة تتمثل في الاختلاف من داخل الثقافة الواحدة. 
 

التوجهات الكبرى لثقافة معينة تؤثر على أفرادها أرادوا أم لم يريدوا ما دمت تكسبهم هوية، وما دامت لا تنتقص بأي شكل من الأشكال بالمنطق العقلي لأعقلهم، لكن حينما يريد أحدهم الخروج من الثقافة السائدة فالصراع حتمي، ربما نتظاهر بتفتحنا، لكن كينونتنا -كجماعة- لا تعترف بمن يفرض تفكيرا أو نقلا فرديا، فالذي تغفل عنه أخي الإنسان أنه لا يمكننا وصف ثقافة بالصحيحة والأخرى بالخاطئة، بل كلها صحيحة؛ لذلك وجب عليك احترام ثقافتك، وحينما تسافر للخارج فلك كامل الحرية تصنع ما شئت لها.
 

ما نقوله دائما يحتاج لشمس تضيء دربه حتى لا يتيه عن مستقره، ولا شمس أفضل من مثال. هناك من الأشخاص الذين يدّعون أنهم مستعلون عن قوانين ثقافية تحيط بهم، مثلا قانون اللغة. لو أننا في ثقافة ذات لغة غنية كالثقافة المغربية فيكفي أن نفهم مثلا في سياق العمل -حينما يناشدنا الرئيس بالقيام بمهمة- أنه من اللازم القيام بها، ولنا الحرية مع التشاور طبعا مع الفريق في إتمامها.

لكن في الثقافة اليابانية الأمر ليس بهذه السهولة، فالرئيس سيتلقى وابلا من الأسئلة تحيط به، ربما حتى بما قد نراه غير ضروري، لنعكس الأمر الآن ماذا لو كان ياباني بيننا يشبهنا في كل شيء إلا الثقافة؟ ألن تضايقنا أسئلته الكثيرة؟ ألن نحس بأنه من كوكب آخر؟ ربما كان يظن هذا الياباني الوهمي بأنه قد يسهل العمل بحسن نية، فإذا به يعرقلها فأين هي المشكلة إذن؟ في الياباني الوهمي أم في محيطه؟
 

لا حل لهذه المعضلة إلا بتنازل الطرف الأضعف، وتنازله ليس بانهزام، بل ينم عن فطنة منه وذكائه البين-ثقافي، يقول كاتب عصر الأنوار الفرنسي فولتير: "تحتاج لعصور كي تدمر رأياً سائداً"، أما أنا فأقول: "انس أمر تدمير ثقافة فهو أمر مستحيل، إلا أن تصبح همجي زمانه وتقتل -بغباء- الحياة "

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.