شعار قسم مدونات

كلنا في الهوى سوى

blogs - trump

بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب صار واضحا أن الجميع في مرمى النار، فمجموع القرارات التي تم توقيعها والأخرى التي وعد ترمب بتنفيذها توحي بأن الرئيس الأمريكي قد وضع "أمريكا أولا" فعلا وهو ما قد يكون سلبا لا إيجابا كما توقع منتخبوه وأراده ترمب.

 

فكرة بناء جدار فاصل بين أمريكا والمكسيك تبدو غريبة ويائسة ولكنها ليست كذلك في فلسطين التي قام الاحتلال "الإسرائيلي" ببناء جدار فصل عنصري اقتطع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية وفصل آلاف العائلات عن بعضها ومنع آلاف المزارعين من الوصول لأراضيهم وآلاف العمال من القيام بأعمالهم واضطر بعض الطلبة لقطع مسافات طويلة من أجل الوصول لمدارسهم التي كانت لا تبعد عنهم إلا أمتارا قليلة.

 

فكرة منع الناس من السفر وسلبهم حقهم في التنقل ليست جديدة على دولة احتلال تمارس عنصريتها وغطرستها منذ عقود، فسكان الضفة الغربية لا يمكنهم التنقل بين مدنها إلا بصعوبة بالغة وبعد عبور عشرات الحواجز ولا يمكنهم زيارة عائلاتهم إلا بعد حصولهم على تصاريح قد تبدوا مستحيلة في كثير من الأحيان. كما أن سكان قطاع غزة أيضا محاصرون وممنوعون من السفر ولا يمكنهم حتى الصلاة في المسجد الأقصى الذي يبعد عنهم أقل من 75 كيلو متر لتبدو فكرة الصلاة في المسجد الأقصى أصعب من دخول أمريكا التي يبدو أنها ستصبح مستحيلة على الفلسطينيين أيضا، من يدري؟

 

العنصرية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود بدأ يشعر بها سكان دول أخرى، هذه الدول ليست عربية فقط بل طالت العنصرية دولا أوروبية وآسيوية مما ينم عن مرحلة جديدة تتشدد فيها الأعراق وتزيد فيها النعرات وتبرز فيها العنصرية بشكل أوضح

تمكن الفلسطينيون من مواجهة كل محاولات الاحتلال العنصرية واستطاعوا بإمكانياتهم البسيطة مقاومة كل أشكال التعدي على حقوقهم، فخرقوا الجدار وابتكروا أساليب للتهريب وحفروا الأنفاق ولم يستسلموا للواقع ولعل الأمر سيكون أصعب على أمريكا إذا ما اختارت فعلا أن تختبر أفكار وإبداعات المكسيكيين والسودانيين والسوريين وغيرهم من الدول المضطهدة.

 

الدول التي تم إعلان قرار منعها من دخول أمريكا ليست المتضررة الوحيدة فأمريكا نفسها ستشعر بالإشكالية عاجلا أو آجلا إذا لم يتنازل رئيسها عن قراراته التي قد تقود لخسارة أمريكا في الكثير من المجالات أولها التكنولوجيا والصناعات والأبحاث العلمية هذا غير خسارتها الكبرى في الأخلاقيات وحقوق الإنسان التي خسرت كثيرا منها في حروبها الظالمة في الشرق الأوسط وغيره.

 

العنصرية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود بدأ يشعر بها سكان دول أخرى، هذه الدول ليست عربية فقط بل طالت العنصرية دولا أوروبية وآسيوية مما ينم عن مرحلة جديدة تتشدد فيها الأعراق وتزيد فيها النعرات وتبرز فيها العنصرية بشكل أوضح في دولة كانت تعتبر رمزا للحريات وفيها مقرات أهم وأكبر المنظمات الحقوقية والإنسانية التي عرفها الإنسان على مر التاريخ.

 

لطالما أردت زيارة الولايات المتحدة الأمريكية للتعرف على تلك البلاد الشاسعة (وما زلت) ولطالما رأيت فيها من الميزات ما لا يوجد في بلد آخر ولكن الآثار التي سيتركها ترمب في هذه الولايات قد تكون سلبية بما لا يمكن تخيله وقد تؤثر على النسيج المجتمعي الأمريكي الذي يملك تركيبة معقدة قد تبدو مناسبة لنمو العنصرية، ليست ضد المسلمين فحسب بل ضد غيرهم من الأديان والأعراق والجنسيات. فهل سيأتي اليوم الذي أتمكن فيه من دخول أمريكا أم أن هذا الحلم لن يتحقق أبدا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.