شعار قسم مدونات

"اللغة" كأداة لتفكيك سوريا

blogs- سوريا

في حين نصت النسخة المتداولة عن الدستور المزمع فرضه على السوريين على وجود لغتين رسميين للبلاد "العربية والكردية" داخل ما عرف بمناطق الحكم الثقافي الذاتي الكردي، فان أي دستور وطني تضعه أيد سورية يجب أن ينص على الاعتراف بعدة لغات وطنية لكافة القوميات التي تعيش على أرضها وأهمها: العربية، الكردية، السريانية والأرمنية، وأن تكون دراسة أي لغة ثانية إضافة إلى اللغة الرسمية أمر متاح لأي طالب سوري في أي جزء من سوريا.
 

أما أمر التقسيم اللغوي المناطقي القومي الذي نراه في الدستور المفروض علينا فهو تمهيد لأمرين متتابعين:
الأول: تهجير قسري لجزء من الشعب السوري من المناطق التي تقع تحت الحكم الثقافي الذاتي الكردي بهدف أن تتحقق نسبة السكان الغالبة لكي تستخدم المنطقة لغة أكثرية السكان إن كان موافقاً عليها وذلك بحسب الدستور الافتراضي الروسي، وبذلك يصبح السريان والعرب والتركمان وغيرهم من القوميات غير مرغوب بوجودهم في مناطق الشمال السوري. كي يطبق بند الأغلبية السكانية وسيتعرضون للتهجير وتزييف في الإحصاءات السكانية وتغيير في نسب السكان كما حصل في مناطق الإدارة الذاتية شمال سوريا منذ إطلاقها.
 

هذا الدستور لم يكتب بأيد سورية وهنا يكمن كل الفرق، بين من يرغب ببناء دولة قوية على أساس تطوير مفهوم الهوية السورية القائمة على التنوع التاريخي ومن يرغب بتحطيم هذه الهوية.

الثاني: التمهيد لانفصال حتمي لاحق حيث يفترض هذا البند وجود لغتين رسميتين للدولة في هذه المناطق ويعد ذلك تقسيماً ضمنياً يصبح واقعا على المدى البعيد، فالتعاملات الإدارية الرسمية ولغة التعليم الأساسي ستفرض مستقبلاً انقساماً مجتمعيا لغوي غير موجود اليوم في سوريا ويتم اصطناعه بهدف التقسيم الفعلي.
 

تأتي هذه المحاولات بعد رفض مطلق لتقسيم سوريا من قبل أغلب كيانات المعارضة السياسية السورية ورفض نظام الفيدرالية الغير قابل للحياة والتوافق حول تفضيل نظام الإدارة اللامركزية بهدف قطع الطريق على محاولات تقسيم سوريا واقتطاع جزء منها، كما يسعى حزب الـ "بي واي دي" الانفصالي مهددا كافة المكونات الموجودة على هذه الأرض تاريخياً بالتهجير والتنكيل. فيحاول هذا الدستور المزمع فرضه على السوريين تطبيق سياسة الأمر الواقع عبر استخدام اللغة كأداة لتفكيك سوريا.
 

أما الاعتراف بوجود وأهمية عدة لغات وطنية سيكون عامل تماسك وتبادل ثقافي معرفي ضمن الإطار السوري الجامع. فاللغة العربية لغة أغلبية المواطنين السوريين وهي اللغة الرئيسية بحكم الأمر الواقع، وكما في أي دولة عالمية فإن إتقان اللغة الرسمية للبلاد شرط لنيل جنسيتها فهي العامل المشترك الأول لتسيير الأمور الإدارية والرسمية بشكل صحيح والحفاظ على إمكانية تواصل المواطنين فيما بينهم. أما وجود لغات تدريس وطنية أخرى تدرس بنسب متفاوتة حسب الطبيعة الثقافية لكل جزء من سوريا فهو واجب حتمي يسمح بتعرف كل سوري على لغة حية على أرضه للتعرف على ثقافة الآخر والانفتاح عليه واحترام عاداته وتقاليده.

هذا هو التقديم المنطقي للغة في الدستور السوري كعامل رابط وليس مفكك بين أبنائها ومناطقها، لكن هذا الدستور لم يكتب بأيد سورية وهنا يكمن كل الفرق. بين من يرغب ببناء دولة قوية على أساس تطوير وتحديث مفهوم الهوية السورية القائمة على التنوع التاريخي لهذه المنطقة نحو الأفضل ومن يرغب بتحطيم هذه الهوية وبناء مناطق هزيلة ضعيفة متناحرة فيما بينها مستنهكة بالحرب الدائمة غير قادرة على تأسيس استقرار وازدهار لأبنائها، بينما تستغل خيراتها ومواردها لبناء استقرار وازدهار دول أخرى.
 

والاختيار لمن امتلك العقل من السوريين واضح، أما من امتلك العصبية القومية فاختياره سيكون الصراع وبيع النفس لشراء الأسلحة وتحقيق سلطة وهمية لا يملكون من أمرها شيئاً. العقد شريعة المتعاقدين، والدستور عقد اجتماعي والسوريون لم يوقعوا على أي عقد ولن يكون إلا ما يطبق على أرض الواقع ولن يطبق إلا عقد يسعى لمصلحتهم جميعاً تكتبه عقولهم وأقلامهم وضمائرهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.