شعار قسم مدونات

شيكابالا.. تنسى كأنك لم تكن

blogs - شيكابالا

"1"

ما زلت أتذكر أول مباراة ديربي بين الأهلي والزمالك أشاهدها من مدرجات الأهلي بالطبع، إذ كنت قد أشهرت إسلامي وأعلنت توبتي عن تشجيع نادي الزمالك كما كان يقول لي كل محيطي الأهلاوي. كانت هذه أيضًا أول مرة اصطحب فيها أخي الصغير إلى الملعب، أنا أيضًا كنت صغيرًا حينذاك، أنا لم أتعدى الخامسة عشر وهو في عمر العاشرة. شعور بالرهبة يملؤنا لكنه لا يلبث حتى يتحول إلى شعور بالألفة وسط اللون الأحمر.

هذا الشعور انقطع للمرة الأولى عندما بدأت الجماهير الحمراء في إعلان غضبها ضد كلًا من جمال حمزة وشيكابالا لاعبي نادي الزمالك أثناء فترة الإحماء، سيل عارم من شتائم والسباب لا يتوقفان تجاه كلا اللاعبين، كل أنواع الشتائم التي يمكن أن تتخيلها موجودة ويتم تلحينها في الوقت واللحظة.
 

أنظر إلى أخي الصغير ولا أدري هل عليّ أن أردد معهم أم أكتفي بالصمت؟ اكتفيت بالصمت تارات ورددت معهم في غفلة من أخي الصغير تارة أخرى. كانت تلك المباراة قبل مجزرة بورسعيد.
 

شيكابلا.. إنه حازم إمام الجديد، بل هو مزيج بين حازم وجمال حمزة، الفهد الأسمر، ألقاب وتوصيفات كثيرة أطلقت على الفتى الصغير الذي صادف ربيع عمره خريف نادي الزمالك.

بعد مجزرة بورسعيد، سرى شبه إجماع عام بين الأهلاوية على عدم التعرض لشيكابالا بأي شكل من الأشكال. الرجل صار لا يمس ولو بلفظة عابرة من جماهير الأهلي فلا أحد ينسى الموقف الشجاع الذي أخذه بعد المجزرة وما قاله، حتى أنه قطع مقاطعته للإعلام وظهر للمرة الأولى على قناة النادي الأهلي من أجل مواساة النادي وجماهيره وأهالي الشهداء. وسواء تبرع بأموال أم لم يتبرع فهذا لا ينقص من الحقيقة شيء، أن شيكابالا اتخذ موقفًا أخلاقيًا محترما بينما كان كثيرون يرقصون على الجثث.

 

"2"

ظهر شيكابالا في أواخر موسم 2002-2003 كلاعب ناشئ في صفوف نادي الزمالك. الكل كان يتحدث عن الفتى الأسمر الذي أتى من أسوان بأصوله الأفريقية والذي سيصبح حديث مصر كلها في غضون سنوات قليلة وربما يحترف في أكبر أندية أوروبا.

إنه حازم إمام الجديد، بل هو مزيج بين حازم وجمال حمزة، الفهد الأسمر، ألقاب وتوصيفات كثيرة أطلقت على الفتى الصغير الذي صادف ربيع عمره خريف نادي الزمالك. وليس هذا وحسب، بل ظهور أسطورة الكرة المصرية محمد أبو تريكة ومن خلفه الجيل الذهبي للنادي الأهلي تحت قيادة مجلس إدارة مستقر وقيادة فنية للداهية مانويل جوزيه بينما يعيش الزمالك سنوات عصيبة كانت تتغير فيها مجالس الإدارة كما تتغير عقارب الساعة كل لحظة وقضايا في المحاكم ومشاجرات على الهواء بين أبناء النادي ووضع مأساوي لا يبدو له نهاية.
 

على الجانب الآخر يفرض النادي الأهلي سطوته محليًا وقاريًا، يشتري كل نجوم الدوري ويحاول التعاقد مع شيكابالا، الذي سيوقع بالفعل من ثم سيطلب استعادة العقود من عدلي القيعي مهندس صفقات النادي الأحمر، حتى الدوري صار بطولة سهلة للأهلي ولا ترضي طموحاته، الهدف صار بطولة دوري أبطال أفريقيا، التي سيصبح الوصول إلى مباراتها النهائية أمرًا شبه مضمون، هذا بينما يتقهقر النادي الأبيض من سيء إلى أسوأ وتضيع أهم سنين عمر شيكابالا.

يا له من بطل يقرر التضحية من أجل حبيبته، لم يترك شيكابالا النادي في أزمته ووقف إلى جوار ناديه الذي أحبه منذ نعومة أظافره وحاول واجتهد مرارًا وتكرارًا أن يصنع شيئًا لجماهير النادي يتذكرونه بها ويفتخرون بها وسط سنوات عجاف لكن الحظ لم يحالفه أبدًا ووقفت ضده كل الظروف. أما عن توقيعه للأهلي فمن كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر!
 

 غير محظوظ هذا الشيكابالا على الإطلاق، حتى المرة الوحيدة التي يصل فيها نادي الزمالك إلى نهائي بطولة أفريقيا بعد سنوات طويلة من الغياب، وتقترب الأميرة السمراء من ميت عقبة يخسر الفريق مباراة الذهاب خارج أرضه بثلاثية بيضاء لتصبح مهمة الحصول على اللقب مستحيلة. للأسف انتهت مسيرة الأباتشي قبل أن تبدأ بسبب فشل غيره، فتًى موهوب لم تنفجر موهبته وراحت أجمل سنوات العمر. شيكابالا هو الملحمة التي لم يكتب لها الانطلاق، قصة الحب التي يقتل فيها العاشق في بدايتها.
 

"3"

هذه هي نصف الحقيقة، نصف الصورة فقط. نصف الصورة التي يرسمها مشجعي الأبيض حتى لا ينصدموا بمعشوقهم الأول "الأباتشي" الذي لم يفعل أي شيء طيلة مسيرته سوى أنه ظل يقتات على حب جماهير النادي له، دون أي إنتاج حقيقي. بضعة كؤوس محلية لا تغني ولا تسمن من جوع، حتى بطولة الدوري التي أتت بعد عشرية سوداء لم يكن شيكابالا المعار للإسماعيلي حينها مساهمًا فيها. حتى في المائة وثمانين دقيقة التي قالت جماهير الزمالك أن شيكابالا قد خلق من أجلها، اختفى يومها ولم يحمل الفريق على كتفيه كأنه لم يكن.

 

‘‘الكثير من الرقص، الاحتفال والغناء مع الجماهير والقليل من كرة القدم. ‘‘بهذه الكلمات أستطيع أن ألخص مسيرة شيكابالا في الملاعب.

أتفهم أن ترفع جماهير الزمالك لاعبين أمثال حازم إمام إلى السحاب وأن تتغنى بحسن شحاتة وإسماعيل يوسف عليه رحمة الله، وأتفهم أيضًا أن يخلقوا أساطير يناكفون ويواجهون بها السيطرة الحمراء على بطولات البلاد. لكن على الأقل يجب أن تستند هذه الأساطير على أي شيء حقيقي ملموس، لكن ماذا فعل أسطورة الشيكابالا من أجل الزمالك، خمسون هدف وبضعة كؤوس والكثير من النحنحة في أكثر من عشر سنوات!
 

ماذا يستفيد مشجع مجبور على حب الزمالك من ترقيصة مبهرة أمام اتحاد الشرطة أو المصرية للاتصالات ومن ثم يراك تلبس طاقية الإخفاء في المباريات الكبيرة. إن كنت لاعبًا استعراضيًا فيمكنك أن تذهب للكرة الشاطئية أو بطولات كرة الصالات، فلربما تصنع مجدك هناك.
 

‘‘الكثير من الرقص، الاحتفال والغناء مع الجماهير والقليل من كرة القدم. ‘‘بهذه الكلمات أستطيع أن ألخص مسيرة شيكابالا في الملاعب. حتى أسطورة أنه مشجع من قلب التالتة يمين- مدرج جماهير الزمالك التاريخي-، أي أنه ليس مجرد لاعب بل إنه جزء من جمهور النادي. لم تعد صالحة للاستخدام بعد مجزرة الدفاع الجوي التي راح ضحيتها عشرين شهيدًا وبقاء شيكابالا إلى جوار مرتضى منصور الذي لطالما حرض على الدماء المعصومة.
 

سيقول البعض ماذا يجب عليه أن يفعل، أن يقف أمام دولة بأسرها؟

نعم، فحب الجماهير ليس أمرًا سهل المنال تناله بهتاف تسب فيه لون المدينة الأخر، بل إنه غاية لها ثمن باهظ في زماننا وبلادنا، فلا يمكنك أن تبقى على حب مع الطرف وعدوه. وتذكر أبو تريكة يوم السوبر المصري عندما وقف أمام البلد كلها من أجل عيون الجمهور.
 

إن كان هنالك من محظوظ في قصة شيكابالا التي تقترب من فصلها الأخير فهو شيكابالا نفسه. أن تحقق اللاشيء ومن ثم تصير أسطورة حية عند الجماهير دون لقب حقيقي، تأخذ ملايين الجنيهات سنويًا في بلاد تعاني الفقر، وتأخذ شهرة لا حد لها دونما أن تحرك ساكنًا، أن يتجاوز عمرك العشرين ويظل الجميع يعاملك كناشئ صغير سينضج عمّا قريب ولا يجب أن نقسوا عليها فأنت محظوظ بكل تأكيد يا شيكابالا.
 

بل إنك محظوظ أكثر لأنك لن تنسى كأنك لم تكن. وسيُحكى عنك الكثير من الحكاوي التي تلمع لكنها لم تكن يومًا ذهبًا يا شيكابالا. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.