شعار قسم مدونات

رسالة إلى ثـوار المستقبل

Egyptian children flash the victory signs as they join supporters of Egypt's ousted President Mohammed Morsi outside Rabaah al-Adawiya mosque, where they have installed a camp and hold daily rallies at Nasr City, in Cairo, Egypt, Wednesday, July 31, 2013. Egypt's military-backed government has ordered the police to break up the sit-in protests by supporters of ousted President Mohammed Morsi, saying they pose an "unacceptable threat" to national security. Information Minister Dorreya Sharaf el-Din said in a televised statement Wednesday that the police are to end the demonstrations "within the law and the constitution." (AP Photo/Hassan Ammar)

السلطة المطلقة تخرج أسوأ ما في النفس البشرية، حقيقة اكتشفها علماء النفس أوائل سبعينات القرن الماضي، في واحدة من أغرب وأصعب تجارب علم النفس، تجربة جرت أحداثها في جامعة ستانفورد وسميت بـتجربة "سجن جامعة ستانفورد"، أشرف عليها عالم النفس الأمريكي فيليب زيمباردو، وجعلت علماء النفس من يومها يؤمنون أن الجلاد ليس إلا شخصا عاديا، وُضع في ظروف حولته إلى وحش سادي يستمتع بتعذيب الآخرين.

قامت التجربة على تقسيم مجموعة من الطلبة لفريقين، فريق لعب دور المساجين والأخر دور السجانين، داخل سرداب جامعة ستانفورد، الذي تم تقسيمه ليبدو كسجن حقيقي، كانت التجربة محبوكة بطريقة متينة، لدرجة أن الطلبة المساجين أخذوا من بيوتهم مقيدين بالأصفاد، على يد الطلبة الذين لعبوا دور السجانين، وفي كل هذا كانت هناك قاعدة واحدة هي أن لا قواعد حاكمة، فعلى السجانين اتخاذ كل التدابير اللازمة لترويض المسجونين وضمان انضباطهم، وكأنهم في سجن حقيقي.
 

في ظل اليأس الذي يجتاح النفوس من الأنظمة المستبدة، تذكر أن الظلام زائل والنهار قادم، والتاريخ القديم والحديث شاهد على تساقط هذا النوع من الأنظمة في مزابله.

سلطة مطلقة منحت للطلبة السجانين ضد المساجين من طلبة الجامعة، وكانت النتيجة كارثية، أثارت جدلا أخلاقيا واسعا في الأوساط العلمية، حيث راقب فريق الباحثين في قلق التحول المرعب الحاصل، والذي خلق من الطلبة الجامعة المتفوقين المتخلقين، وحوشا يتعاملون بخشونة وعنف، مستعملين أقصى أنواع التعذيب الحسية والجسدية ضد زملائهم دون رحمة أو شفقة، لأنهم شعروا أن لأحد يسائلهم أو يحاسبهم مهما فعلوا، تحول زاد من حدته وقسوته أن الجميع على علم أنها مجرد تجربة علمية، أوقف الرجل التجربة فورا مستنتجا أن السلطة المطلقة تخرج للمجتمع أسوأ ما في النفس البشرية من درن وعبث وجنون.
 

في أدبياتنا الشعبية وحكمنا المتوارثة، تعبير بسيط جميل سلس، قديم قدم قصة فرعون وسيدنا موسى عليه السلام، لو قرأه فيليب زيمباردو قبل القيام بتجربته، كان استنتج ما وصل إليه قبل أن يخوض في تجربته، مثل يقول "يا فرعون من فرعنك، فيرد فرعون لم أجد من يوقفني!"، هذا الواقع الذي نعيشه مع جل الأنظمة المستبدة الديكتاتورية الفاشية الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي بالأمس واليوم، أنظمة جمعت أفرادا منحوا لأنفسهم حق تملك السلطة المطلقة، والتي سمحت لهم بنزع حرية الأفراد بل خولتهم لفرض وصايتهم على الشعب الذي يحكمونه، فتحول الحاكم من خادم للشعب إلى مستخدمه، واقع ينطبق على جل الأنظمة العالمية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار.
 

أنظمة مستعدة لتصفية كل من يقف في طريقها، كتضحية ضرورية من أجل أن تستمر، مبررة ذلك بأن الجسد يستطيع أن يعيش وإن اقتلعت أظافره، قطعت يداه وأرجله، المهم هو بقاء رأس النظام، قلبه النابض والمتمثل في عسكره، وروحه المنتشية من الموالين للرأس والقلب، أنصار وموالون نعذر بعضهم للجهل الممنهج الذي غرسه النظام فيهم، بتحطيم المنظومات التعليمية، واحتقار الكفاءات العلمية القادرة على خلق وعي لدى المواطن البسيط، أما البعض الآخر فلا عزاء لهم، وهم فئة المثقفين والنخب، الذين استعبد النظام وعيهم واستخدامه لخدمة مصالحه، ومنح الشرعية لغيه وفق آلية العصى والجزرة.
 

إن هذا يجعل كل من يريد التحليق بوعيه وفكره داخل هذه الأنظمة، خطرا عليها لأنه يبحث عن اختراق مبدأ السلطة المطلقة وتخريبه، بجعل الديكتاتور يسمع صدى عدة أصوات، تنطق من جموع مواطنيه ضد صوته، فيصبح مجال التحرك شبه معدوم لكل من يريد أن يقف ضد فكرة الاستبداد، مما جعل المجتمعات الواقع تحت وطئ الدكتاتورية فاقدة لبوصلة المرجعية، فلم يعد العوام فيها قادرين على تحديد الصح والخطأ، في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية المتشعبة والمتزايدة، بعد أن طُحنت كل الكفاءات الحرة وأبعدت كل الأصوات الصادحة بالحق، باسم المصلحة العليا تارة وبتوظيف علماء السلطان تارة أخرى.
 

لكن الحقيقة التي يغفلها الجميع وينساها المتحمسون، في ظل اليأس الذي يجتاح النفوس من هذه الأنظمة، أن الظلام زائل والنهار قادم، فالظلم منتهي والحق دائم، والتاريخ القديم والحديث شاهد على تساقط هذا النوع من الأنظمة في مزابله، بشكل متوقع في بعض الحالات ومفاجئ في حالات أخرى، فما الذي يجعل سقوط نظام ديكتاتوري ينتج نظاما تعدديا ديمقراطيا في بعض الحالات، وسقوط آخر يعيد إنتاج نظام يماثل سابقه أو يفوقه في الديكتاتورية، البؤس، الاستبداد والبشاعة؟
 

العمل على تغيير الأنظمة الظالمة الديكتاتورية المستبدة أمر جيد وضروري، لكن لا تغفلوا إلزامية بناء الفرد وتغييره ليكون مستعدا للتجاوب مع أي حركة تقومون بها.

من يقرأ التاريخ سيجد أن سقوط كل طاغية وديكتاتور تعقبه فترة فراغ رهيبة، نتيجة التصحر المجتمعي من الكفاءات والكوادر القادرة على تحمل المسؤولية، نظرا للسياسة التكسير الممنهجة المتبعة من النظام الديكتاتوري إبان حكمه، بتصفية البلد من النخب المستقلة الواعية، وتشويه الجزء المتبقي منها، مما يجعل المجتمع يتخبط في ضحالة بعض الجبناء الذين يظهرون من العدم، لمحاولة سد الفراغ الذي تركه النظام البائد، لكنهم يفشلون فشلا ذريعا، فيتحول الأمر إلى مخاض عسير يعيد إنتاج نفس الأنظمة تقريبا، لكن مع تغيير بعض الأوجه، التسميات والتفاصيل البسيطة.
 

في حين أن المجتمعات الذكية، راسخة في تفعيل استثمار إمكانياتها وقدراتها المدنية، لتربية وبناء الأجيال فكريا، علميا، وعقائديا بشكل صحيح، مما يمكنها من إنتاج قيادات شابة جاهزة لحمل المشعل والخروج من الفراغ الذي خلفه النظام الدكتاتوري الزائل وفي أي زمان.
 

عزيزي الثائر عزيزتي الثائرة، حاولت من خلال هذا المدونة أن أشرح بشكل فيه نوع من التفصيل، المعوقات القادرة على جعل المراهنة على الثورة ضد حاكمكم الديكتاتور فاشلة، واجتهدت في أن أعدد المعوقات والمآلات للخطوات الشجاعة التي قد تتخذونها في مجتمع، والتي تهدفون من خلالها لتحسين ظروف وأواضع أفراده ، لكنها ستتحول إلى مجرد زوبعة في فنجان لأن الشجاعة دون وعي حماقة.
 

والذي يمكن أن نخلص إليه، أن العمل على تغيير الأنظمة الظالمة الديكتاتورية المستبدة أمر جيد وضروري، لكن لا تغفلوا إلزامية بناء الفرد وتغييره ليكون مستعدا للتجاوب مع أي حركة تقومون بها، مشروع تقودونه أو فراغ تسعون لسده نتيجة انهيار عاجل أو آجل، وإذا كان تغيير الأنظمة يغير الحاضر، فتأكدوا أن تغيير الشعوب يغير التاريخ والمستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.