شعار قسم مدونات

دور الجهاد في فكر البنا ودعوته (3)

blogs-حسن البنا

خيار العمل:

بالعمل الدؤوب إذن نختصر المسافات، ونحقق الأهداف والغايات، وما دام الداعية لا يطمئن إلا في ميادين العمل، فإن الدعوة بخير، والمسيرة في طريقها الصحيح، والخطورة تكمن في أن يطمئن الداعية إلى ميادين القول، أكثر من اطمئنانه في ميادين العمل.

 

وقد كان رحمه الله يحاول دائماً أن ينأى بنفسه عن ميادين القول، ويحرص ألا يرى إلا في ميادين العمل مشمراً وجاداً ومجداً.. كثيراً ما كان يردد على أسماع إخوانه: " أيها الأخوة كلما وقفت هذا الموقف من جمهور يستمع سألت الله في إلحاح أ، يقرب اليوم الذي ندع فيه ميدان الكلام إلى ميدان العمل، وميدان وضع الخطط والمناهج إلى ميدان الإنقاذ والتحقيق، فقد طال الوقت الذي قضيناه خطباء متكلمين، والزمن يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة، والدنيا كلها تأخذ بأسباب القوة والاستعداد، ونحن ما زلنا في دنيا الأقاويل والأحلام ". ولم يكتف، رحمه الله، بالتوجيه القولي، بل كانت حياته كلها توجيهاً عملياً حقيقياً.

 

إن فريضة الجهاد تحتاج منكم نفوساً مؤمنة، وقلوباً سليمة، فاعملوا على تقوية إيمانكم، وسلامة صدوركم، وتحتاج منكم تضحية بالمال والجهود فاستعدوا لذلك فإن ما عندكم ينفذ وما عند الله باق.

تصحيح الفهم:

لقد أخذ، رحمه الله، على عاتقه إحياء فقه الجهاد، وتصحيح ما علق في أذهان البعض، واستقر في نفوس آخرين من مفاهيم خاطئة، وفي هذا يقول: " أما في هذه الأيام فقد تفرق المسلمون في فهم مهمتهم، واتخذوا من التأويل والتعطيل سناداً للقعود والكسل، فمن قائل يقول لك: مضى وقت الجهاد والعمل، وآخر يثبط همتك، بأن الوسائل معدومة، والأمم الإسلامية مقيدة، وثالث رضي من دينه بكلمات يلوكها لسانه صباح مساء، وقنع من عبادته بركعات يؤديها وقلبه هواء ".

 

ثم تأتي صرخة تصحيحية داوية من أعماق قلب مؤمن يريد أن يغرس في كل القلوب حقيقة حب الجهاد والاستشهاد فينادي: " لا لا أيها الإخوان، القرآن يناديكم بوضوح وجلاء: " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " الحجرات.

 

وأما نداء السنة فيقول لكم الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا ضَنّ الناس بالدنيا والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله تعالى عليهم ذلاً لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم). ثم تأتي بعد ذلك صرخة داوية أخرى يستنكر فيها هذا الخمول وذاك اليأس فيقول: " … فما هذا الخمول الذي ضرب بجرانه؟ وما هذا اليأس الذي قبض على القلوب فلا تعي ولا تفيق؟ " هذا أيها المسلمون عصر التكوين، فكونوا أنفسكم وبذلك تتكون أمتكم. ص44 إلى أي شيء ندعو الناس.

 

متطلبات أساسية:

يحدد، رحمه الله، الحاجات الرئيسية التي يرى وجوبها فيمن يعد نفسه للجهاد فيقول: " إن هذه الفريضة تحتاج منكم نفوساً مؤمنة، وقلوباً سليمة، فاعملوا على تقوية إيمانكم، وسلامة صدوركم، وتحتاج منكم تضحية بالمال والجهود فاستعدوا لذلك فإن ما عندكم ينفذ وما عند الله باق، وإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم جنة عرضه السماوات والأرض ". ص45

 

أركان أولية للبداية الناجحة:

ويحدد رحمه الله، أركاناً أولية لنجاح مسيرة الإصلاح، وتحقيق مبدأ التكوين وسبيل الإعداد والتربية وإدراك الآمال والغايات فيقول: " إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور:

إرادة: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.

ووفاء: وفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر.

وتضحية: وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل.

ومعرفة: ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيها والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره". ص45

 

الدعوة المجاهدة هي التي تحاول دائماً أن تبتعد بأبنائها عن الترف وأسبابه، لأن الترف يؤدي إلى تلف الدعاة وميوعتهم.

ثم يعقب مؤكداً أهمية هذه الأركان الأولية قائلاً: " على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه الروحية الهائلة تبنى المبادئ، وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً ". ويضيف إلى ذلك زيادة في تأكيد أهميتها ودورها فيقول: " وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة أو على الأقل فقده قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً). ص45

ونخلص من هذا إلى ضرورة أن تأخذ الجماعة بهذه الأركان فتربي عليها أبناءها، وتؤسس الصف، وتشيد البنيان على أساسها.

 

الترف نقيض الجهاد:

الدعوة المجاهدة هي التي تحاول دائماً أن تبتعد بأبنائها عن الترف وأسبابه، لأن الترف يؤدي إلى تلف الدعاة وميوعتهم. " إن الأمة إذا رتعت في النعيم، وأنست بالترف، وغرقت في أعراض المادة، وافتتنت بزهرة الحياة الدنيا، ونسيت احتمال الشدائد، ومقارعة الخطوب والمجاهدة في سبيل الحق، فقل على عزتها وآمالها العفاء". ص46

 

القوة تحرس الحق:

يؤكد على أهمية القوة في حراسة الحق، وأن الحق لا بد له من قوة تحميه تسعى إلى تطبيقه، وهذا الحق يتمثل في نشر الدعوة، قبل ذلك حماية البلاد والعباد من العدوان، فيقول : " القوة أضمن طريق لإحقاق الحق، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنباً إلى جنب، فهذا الجهاد في سبيل نشر الدعوة، فضلاً عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام، فريضة الله على المسلمين، كما فرض عليهم الصوم والصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر، وألزمهم إياها، وندبهم إليها، ولم يعذر في ذلك أحداً فيه قوة واستطاعة، وإنها لآية زاجرة رادعة وموعظة بالغة زاجرة : ( انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)التوبة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.