شعار قسم مدونات

الصومال: حتى لا يكون البديل المنتظَر أسوأ

blogs - شعب الصومال
مع اقتراب نهاية الموسم الانتخابي تتعدد الهواجس والاحتمالات بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية في الصومال، وأن الإشكالية الأكثر إرباكا للمشهد السياسي تكمن في تشابه البدائل المحتملة من حيث البرامج الانتخابية والمستوى العام للمرشحين ومدى تلاءم ذلك مع الصورة الذهنية لدى الناحبين – نواب البرلمان الاتحادي – وذلك وسطَ هامشِ مناورةٍ محدودٍ، وانعدامٍ تامٍ لفرص التَّوحد على مرشَّح رئاسي واحدٍ أمام العملاق القابع في قصر الرئاسة.

هذا النوع من القلق يساور بعض قادة الرأي العام من النخب المتجردة إلى حد ما من النوازع الإيديولوجية والمناطقية والنفعية الضيقة؛ ممن يهمهم أن يكون البديل المنتظر متشبِّعا بالوطنية والمبادئ القومية وأن يكون أكثر شعبويا في خطاباته وخططه المستقبلية مع النزاهة والأمانة والحزم في مكافحة قضايا الفساد بجميع أشكاله وفق متطلبات الواقع المحلي وتحدياته.

بصراحة تكون الوطأة أشد عندما يأتي رئيس جديد ثم يتوق الناس إلى عهد الرئيس السابق يترحَّمون عليه لسوء أداء خلَفِه؛ وبالتالي فإن الحاجة إلى وجه جديد ليست مطلبا في حد ذاتها إذا لم تصاحبها خطة عمل نموذجية لمواجهة التحديات بطرق غير تقليدية؛ مما من شأنه أن ينعش الأجواء بشكل ملموس؛ ولكي يتأتى لصناع القرار بانتهاج مسار جديد للإصلاح السياسي، وخاصة فيما يخص بتحديد العلاقة بين المركز والأطراف وبين الأطراف بعضها البعض بعيدا عن التحالفات المناطقية والقبلية وصراع النفوذ؛ وذلك من دون التقليل من حظوظ كل ولاية وحقوقها الدستورية بشكل عام.

ليست كل ادعاءات مؤيدي سيناريو عودة الرئيس الصومالي الحالي إلى السلطة باطلة؛ كما أنه من المنطقي بأننا لا ننتظر مخلوقا فضائيا يحل مشاكلنا وألغازنا في لمح البصر.

معروف أن الخطاب التحريضي هو الأكثر رواجا في هذه الأيام؛ وأن الحديث عن المساحة المشتركة ونقاط التقاطع لا ينجذب إليه الكثيرون، إلا أنه مع اقتراب فترة الصمت الانتخابي ينبغي أن نعود إلى رشدنا، ونتحلى بشيء من التجرد للوطن – ولو تصنُّعا – ليدرك الجميع بأنه لا أحد يملك عصا سحرية لحل المشاكل الصومالية بين عشية وضحاها، وأن الحل في خلق حالة من التوافق والاصطفاف الوطني؛ وذلك في إطار الاستعداد لعهد جديد ينبغي أن يتجه الجميع نحو التفاعل الإيجابي مع كافة الملفات من منطلق المصلحة المشتركة وعلى أساس توجّهٍ جماعي شامل قد يقتضي إصدار فتوى إلزامية بوجوب التجاوب مع جميع المشاريع الإنمائية والمبادرات الوطنية بغض النظر عن توجهات الرئيس الصومالي القادم.

وحتى لا يكون البديل المنتظَر أسوأ هناك جملة من الأمور البديهية التي ينبغي الانتباه إليها في حال عودة الرئيس الحالي أو مجيء وجه جديد بحسب ما هو متوقع، ومن بينها ما يلي:

– تجنيب البلاد من مثلِ حالة الاختناق السياسي السائدة حاليا؛ من خلال اتخاذ قرارات جادة بشأن القضايا التي تهز الرأي العام المحلي وعزل مَن تقتضي المصلحة العليا إبعاده عن مراكز صناعة القرار وكذا القيام بإخضاع المسؤولين في المناصب العامة للمساءلة الإدارية والمحاسبة القانونية الجادة؛ مهما علت مكانتهم؛ وذلك انطلاقا من أن الردود العملية أكثر ردعا للشائعات السلبية المغرضة ضد رموز الدولة، مع العلم أن المعلومات المغلوطة تنغرس في أذهان الناس عند وجود أدلة وقرائن ملموسة على أرض الواقع، كما لا يمكن خلق انطباعات إيجابية لمجرد تصريحات يدلي بها الرئيس في اللقاءات التليفزيونية المباشرة.

– الاستعانة بخبراء ورجال العلاقات العامة لتحسين صورة الوطن وقيادته بلا مزايدات ومبالغات وهمية؛ لأن من لا يهتم بقياس الرأي العام المحلي ولا يدرس مدى ارتفاع أو انخفاض شعبيته يكون منتهي الصلاحية قبل أوانه؛ وخاصة في ظل تطور الإعلام الاجتماعي الذي صار من أبرز عوامل تصفية الحسابات السياسية وإسقاط الحكومات في العالم.

– تحقيق العدالة الاجتماعية قدر المستطاع وتعزيز الانتماء الوطني بحيث تكون قيم المواطنة فوق اعتبار الانتماء القبلي، والوسيلة المثلى لتحقيق ذلك هي وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفق معايير الكفاءة والاختصاص العلمي والخبرة.

وفي نظري ليست كل ادعاءات مؤيدي سيناريو عودة الرئيس الصومالي الحالي إلى السلطة باطلة؛ كما أنه من المنطقي بأننا لا ننتظر مخلوقا فضائيا يحل مشاكلنا وألغازنا في لمح البصر بل نحن مجبورون على تقبُّل واقعنا وإفرازاته المختلفة، وبالتالي ينبغي علينا تهيئة الأجواء النفسية والاجتماعية لقبول نتائج الانتخابات التي قد تفرز شخصا لا يرقى إلى مستوى الكاريزما المنشودة ولا هو حاصل على دعم المناطق التي ينحدر منها، وربما يكون ضمن المتورطين بقضايا فساد كبيرة أو التفريط في مقدرات الأمة ؛ وهذا مما يجعل الجميع أمام اختبار كبير يستوجب التغافل الإيجابي ونكران الذات والتضحية من أجل الوطن، واستبعاد الأفكار السلبية الإقصائية التي تهدد النسيج الاجتماعي وتكون عائقا في سبيل النهضة المنشودة على مستوى الصومال الجديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.