شعار قسم مدونات

إعلامنا النائم

blogs - التلفزيون السوري
بينما حلب تُسحق بأيدي النظام ومعونة الطائرات الروسية وحماة قد أصبحت حطاماً من كثرة ما جربت عليها كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً وإنسانياً، وحمص ليست أفضل حالاً منهما بل ربما كانت أسوأ والغوطة لم يندمل جرحها بعد، ولا أعتقد أنه سيندمل يوماً ما لأنها لم تفق من صدمة الكيماوي الذي كانت هي أول ضحاياه في التاريخ ولا زالت أثار دماره قائمة حتى هذه الساعة، فقد أكل جمالها وثمارها وطبيعتها الساحرة، والأدهى من كل ذلك وأمر أنها جرفت كبيرها وصغيرها إلى الموت كما يجرف النهر كل ما يقع في دربه دون أدنى تميز أو تمحيص، ودمشق قد وقعت في قبضة رئيس النظام وقد أحكم قبضته عليها وضيق عليها الخناق لكي يضمن بقاءه بسيطرته على العاصمة، ولكي يستطيع إكمال لعبته الدموية بكل ثقة واطمئنان وهو يجلس على الكرسي الذي سبب لنا كل هذه المتاعب وفعل بنا كل هذه الأفاعيل.

وبينما الشعب السوري قد قُسم إلى قسمين قسم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى منهم من انتقل بأمر من الله عن طريق أسلحة الدمار لأن أجله قد حان، ومنهم من عجّل في موته وأطلق على نفسه حكماً بالإعدام ولم ينتظر دنو أجله فرارا من ذل لا يحتمل ومهانة ثقيلة على النفوس وحياة لا تحتملها حتى الحشرات والقسم الآخر قد خرج بثيابه أو _ من غيرها حسب الظروف _ إلى أقرب مهجر ساقته قدماه إليه لكي يحصل على وسام اللجوء ويحمل لقب لاجئ.
وبينما العالم ورؤساء أكبر الدول العالمية يغضون أبصارهم عن كل هذا الدمار وما زالوا منذ ست سنوات مصدومين مما يحدث في سوريا، وما زال الحوار قائماً والأسئلة المحيرة تؤرقهم من الذي يسبب كل هذا الدمار والخراب وكأنهم لا يعلمون أو بالأحرى كأنهم لا يدعمون ويشجعون ويخرجون هذه المسرحية الدموية.

شعبك يا عزيزي يحلم بالتنفس فلا تخدع نفسك وتخدعني لأن العالم كله يشاهد ما يحدث لذلك كُف عن تعاطي الحقن المخدرة.

بينما كل هذا يحدث كان التلفزيون السوري يعرض برنامجاً عن فوائد التفاح للثة والأسنان. أنا لا أتجنى على أحد ولا أقول كلاماً عابراً، بل أقول مما شاهدت وتابعت وتيقنت أنه صحيح وبإمكانك الآن أن تقفز إلى التلفاز وتتأكد بنفسك، والذي أقوله هو ذاته السؤال الذي طرحته المذيعة الأجنبية على بشار الأسد عندما أجرت معه مقابلة تلفزيونية، فقد أخبرته أنها لا تتقن اللغة العربية أو بالأحرى لا تفقه بها شيئاً لكنها عندما شاهدت أخبار الجرائم والحروب التي تُرتكب في سوريا تتصدر جميع القنوات العالمية أرادت أن ترى أثر وقع هذه الجرائم على التلفزيون الرسمي لهذه البلد لأن أهل سوريا أولى بأخبارها منهم وعندما أدرات التلفاز وشاهدت _ وليتها لم تشاهد _ أبصرت برود أعصاب وبلادة لا تطاق من هذا الإعلام السيء الذي يعرض فوائد التفاح على شعب يحلم بالتنفس.

أهذا وقته؟ هل هذا هو الوقت المناسب لعرض معلوماتكم القيمة، ألم يكن بإمكانكم تأجيل هذه البرامج الضرورية ريثما نخرج مما نحن فيه؟ هلا استبدلتم صور التفاح بألوانه بصور الشهداء والدمار بجميع ألوانه وأشكاله؟ ألم يدر في ذهنكم يوماً أن هناك قانوناً يسمى قانون الأولويات وهناك آية في القرآن تذكرك بذلك وتقول (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)، دعك من كل هذا عندما عرضت هذه البرامج الهادفة لكن في غير وقتها ألم تسأل نفسك سؤالاً على من نعرض هذه البرامج مَن مِن شعبك لا يمتلك هماً سوى معرفة فوائد التفاح للأسنان؟ من منهم يعيش في وطن آمن ومسكن هادئ وحياة لا تشوبها شائبة ويتمتع بجميع الحقوق الأساسية لكي يتطلع إلى الثانويات والرفاهيات.

سأجيب عنك، لا أحد فشعبك يا عزيزي يحلم بالتنفس فلا تخدع نفسك وتخدعني لأن العالم كله يشاهد ما يحدث لذلك كُف عن تعاطي الحقن المخدرة وانزع نظارتك الوردية عن عينيك ودعنا نتقبل الواقع مهما كان مراً ونعرضه للعالم قبل أن يسبقنا العالم إلى عرضه ويكون حجة علينا لا لنا، لأننا أولى بأخبار بلادنا منهم، فانهض من سباتك ولا تجعلنا أضحوكة للأجانب.

أعدكم بعد أن ينصلح حالنا سنطالبكم أن تعيدوا لنا برامج التفاح والميرمية وجميع الفاكهة والأعشاب، لأننا كنا غارقين في بحور من الدماء والدمار.

وفي المقابل هناك دولة هي جارة لسوريا تحدها سوريا من الشمال وقد حدث فيها قبل أسابيع حادثة إرهابية هددت أمن البلد وخلفت وراءها ضحايا مدنيين وعسكريين وأظهرت من خلالها شجاعة الشعب الأردني بكافة أطيافه وقد تجلت البسالة من جميع سكان الأردن صغيرها قبل كبيرها، مواطنها المدني قبل العسكري، فكلهم قد هبوا لإحباط هذه العملية الدنيئة، وقد وقفوا كالبنيان المرصوص في وجه أعدائهم وبرهنوا للعالم أجمع أنهم بلد النشامى الذين هم أهل النصرة والمعونة، لكن كل ما أقوله ليس جديداً عليهم، واعلم أن ما حدث لم يكن ليخفى عليكم لأن جميع القنوات قد تسابقت لنقل هذه الأخبار باستثناء التلفزيون الأردني الذي كان مشغولاً بأمر، هو أهم وأعقد من كل ما يحدث في بلده ألا وهو فوائد عشبة الميرمية.

يبدو أن الأمر هو عدوى تنتقل إلى جميع التلفزيونات الرسمية بل يبدو أنها قد أصبحت ظاهرة في الوطن العربي تستحق أن تُدرس ويُخط من أجلها آلاف الأبحاث والتقارير. ما بكم هل جننتم؟ الإعلام اليوم انتقل من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، فالإعلام اليوم يتحكم بالسلطة ويجربها على تغير قراراتها ويدخل في جميع شؤون الحياة من تربية وتعليم.. الخ، بل هو وسيلة أساسية لإقامة الحجة على الظالمين والطغاة وتعريف العالم من هو المجرم الحقيقي بالصوت والصورة وسلاح فتّاك أشد على الظالمين من وقع الحسام المهند، فالإعلامي اليوم بجميع أشكاله من مصور ومذيع أو حتى لو كنت تمتلك فقط صورة على هاتفك المحمول تسجل فيها بعضاً من الجرائم التي تحدث من قبل السفاحين وعرضتها للعالم أجمع فإنك بذلك قد أوجعت الظالم وأذللته، ولو أنك خيرته بين أن تضربه على وجهه وتدميه، وبين أن تفضحه بجرائمه لاختار الأولى على قسوتها لأنها لن تكون أقسى عليه من الثانية، فالظالم والسفاح لا يوجعه سوى الصدق والحقيقة التي تنزع عنه ثوب الملاك وترينا ثوب أو بالأحرى الشيطان الذي يعيش بيننا متنكراً بصورة ملاك.

نعم نحن نمتلك اليوم سلاحاً لم يمتلكه أكبر رئيس للولايات المتحدة في الستينيات، فإن لم نستطع حمل السلاح ومواجهة الظالم وجهاً لوجه فنحن نحمل سلاحاً قادراً على إبادة الظالم ولو بعد حين. أبعد كل هذه المزايا ما زالت الفاكهة والأعشاب أكبر همكم، أرجوكم أفيقوا من سباتكم واعرضوا للعالم أجمع ما يحدث في وطننا العربي حتى ولو كان مؤلماً لكي يميز العالم الخبيث من الطيب ولكي يعلموا بالدليل القاطع الذي لا مجال للجدال والشك فيه من هو الظالم حقاً ومن هو المظلوم والمجني عليه، لأننا في عصر لا تكذب فيه الصورة ولا الصوت وإن كذبت فلن يخفى علينا كذبها، وأعدكم بعد أن ينصلح حالنا سنطالبكم أن تعيدوا لنا برامج التفاح والميرمية وجميع الفاكهة والأعشاب، لأننا كنا غارقين في بحور من الدماء والدمار ولم يتسنى لنا الوقت لنشاهد برامجكم الضرورية ضرورة التنفس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.