شعار قسم مدونات

كيف ننجوا من عاصفة الفوضى؟

blogs- الإيمان

عند هبوب العاصفة يضيع الكثير، تدمر المنازل ويشرد البشر ويتوه الكثيرون بحثا عن ملجأ.. تُذهل الأبصار بما يحدث من دمار وتفكر الأذهان بالمستقبل أي إلى أين المصير؟ ذلك عندما يتعلق الأمر بعاصفة ريح فما بالك بعاصفة الحرب! فالدوامة هناك أكبر والدمار غير محدودٍ؛ ضاعت معه الأموال والأرواح وسقطت من قاموسه كلمة "حقوق"، تاه البشر بحثا عن ملجأ ومخرج ونجح البعض في ذلك فصاح التائهون هل إلى خروج من هذه العاصفة من سبيل؟
 

أخبرونا يا من خرجتم كيف خرجتم وهل حقا خرجتم ولماذا لم تخرجونا معكم حين فررتم؟
هذا لوصف بسيط لما نعيشه وسط الحرب والصراع في ليبيا ولا أظن هذا الوصف مختلفا عما عاشته لبنان أو الجزائر في حربهما الأهلية، أو ما يعيشه السوريون والعراقيون واليمنيون.. ما أكثر مصائبنا نحن العرب فهل هذا مرتبط بما درسناه في المدرسة عن وحدة المصير لوطننا العربي؟

ثمرة الإيمان الجماعية فهي عندما يطبق كل المجتمع لوازم الإيمان -يستحيل الكل طبعا لكن لنقل معظمه- ونتيجته ستكون مجتمعا أكثر أمنا وسلاما وتطورا وقوة.

لا يهم الآن، لكن ما أود قوله هنا أن محاولة التائهِ الخروج من دوامته وضياعَه أمر فطري يحقق فيه البعض نجاحا ويفشل آخرون في إيجاد مخرج فيجلسون منتظرين ويتوهم فريق آخر بطريق ظنوه مخرجا فاكتملت المعادلة وظهرت في صيغتها النهائية جلاد وضحية مستسلمة ومقاومون، ولك أن تنضم لأي فريق أردت لكنك بالتأكيد تسأل الآن عن الطريقة!
 

وسأجيب من خلال اقتباسين مهمين من فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، فقد أجاب عن سؤال متعلق بالإيمان وقت الأزمات بطريقة جميلة جدا لا تمثل فقط مخرجا من العاصفة بل وسبيلا لإنهائها أيضا، فذكر بأن للإيمان ثمرتين؛ الأولى فردية والأخرى جماعية، فهي ثمرة فردية عندما يطبق الإنسان ما يستلزم منه كفرد مؤمن من شعائر واحترام للآخرين وتطبيق للأوامر وابتعاد عن ما نهى عنه؛ وثمرته السكينة وحب الناس والرضا عن الذات والعيش في سلام مع النفس وهو ما أرى بأنه الأهم على الإطلاق..
 

قد لا يحميك هذا من اعتداء سارق أو حتى من وقوعك ضحية قتل وسط فوضى الحرب، لكنك بالتأكيد لن تكون القاتل ولا السارق ولا المعتدي ولا المكروه أو في حالتنا الليبية لن تكون ذلك المتربص بأرزاق الناس وأرواحهم المنتهك لحرمات المنازل والذي يتساقط عليه وابل دعوات المظلومين ليل نهار كلما مر به شخص أو ذٌكر في جلسة أو ظهرت صورته في نشرة أخبار، والجزاء في الآخرة عند الله بإذنه كبير ؛ قد يقول البعض أن هذا استسلام لكن سيكون عليك استكمال هذا المقال لتصلك الفكرة كاملة .
 

أما ثمرة الإيمان الجماعية فهي عندما يطبق كل المجتمع لوازم الإيمان -يستحيل الكل طبعا لكن لنقل معظمه- ونتيجته ستكون مجتمعا أكثر أمنا وسلاما وتطورا وقوة؛ فالحقوق تعطى لأهلها والتكافل الاجتماعي موجود.
 

فإن طبقت لوازم الإيمان نلت الثمرة الفردية وهي متعلقة بك كفرد وإن طُبقت لوازم الإيمان جماعيا نال الفرد والمجتمع ثمرته بشكل مباشر، لكن السؤال هنا ماذا إذا لم يطبق الاثنان لوازم الإيمان؟ فسيكون الحال عندها أن ننتظر ثمرة الإيمان من المجتمع دون أن ننال ثمرة الإيمان الفردية وقد نموت ونحن في قائمة الانتظار ونخرج من الحياة دون نتيجة تذكر؛ وسيأخذنا هذا إلى سؤال آخر ماذا إذا طبقت أنا لوازم الإيمان الفردية ولم يطبق المجتمع تلك اللوازم، فسأقول لك أنك نلت إحدى الحسنيين وهي ثمرة الإيمان الفردية.

والثمرة الفردية ولوازم الإيمان ليست في جميع تفاصيلها مستوية بالنسبة للجميع وهذا ما سيأخذني لاقتباس آخر من محاضرة للشيخ النابلسي ضمن سلسلة "أفلا تبصرون" وبعنوان محاضرة "لماذا نحن في الدنيا" وفيها كانت أفكار النابلسي متسلسلة سهلة الفهم عند حديثه عن العبادة إذ فصَلها وصنفها في أنواع، فعدا عن العبادة الشعائرية مثل الصلاة والصيام والحج وغيرها والأخلاق العامة التي ينبغي على الجميع حتما الالتزام بها هناك عبادة مفصلة على مقاسك أنت!
 

وقد تتعجب من ذلك، لكن لك أن تنظر في المفهوم لربما يتفتح عقلك قليلا، إذ يسميها النابلسي عبادة الهوية فإذا سألت نفسك من أنا؟ فهمت ما يترتب عليك من هذه العبادة وقد تكون لك هويات كثيرة، فالمسؤول عبادته أن يقوم بمهمته على أكمل وجه بإحقاق الحق وإبطال الباطل والوالدان عبادتهما أن يربيا أبنائهما تربية حسنة والمعلم مطلوب منه إيصال المعلومة والإخلاص في عمله والشجاع المقدام مطلوب منه حماية الناس والغني عبادته الإنفاق في أوجه الخير.. وإلى غير ذلك من هويات كثيرة تكون بها عبادتنا الأولى هي أن نعطيها حقها، وقد تكون زوجا وأبا وابنا ومسؤولا فعبادتك فيها أن تؤدي حقها جميعا بتوازن.
 

إصرارك على العمل أو الدراسة أو خدمة المجتمع في وقت تعم فيه الفوضى العالم أجمع وبلدك بشكل خاص؛ له ثماره ونتائجه الإيجابية بكل تأكيد.

أما العبادة الأخرى فيسميها النابلسي عبادة الضرورة وهي ما تُرتِب أولوياتك في عبادة الهوية، فعند مرض والديك عبادتك الأولى أن تكون بارا بهما مؤديا لحقهما وعند مرور المجتمع بأزمة ما عبادتك وأنت المستطيع لتغيير شيء إلى الإيجاب أن تقوم بدورك اتجاهه، وعند الحرب ضد عدو متربص عبادتك الأولى أن تكون جنديا أو طبيبا أو غير ذلك مما تحسن فعله.
 

وهنا تكتمل الصورة توازيا ما بين التزامك بلوازم الإيمان الفردية وقيامك بعبادة الهوية ومرتبا ما بين كل اللوازم بعبادة الضرورة، هناك يكمن المخرج فعندما تسأل نفسك ما الذي ينبغي علي أن أفعله وأنا في مثل هذه الأزمة والحرب ووسط تلك العاصفة اسأل نفسك من أنت، فإن كنت طالبا له طموح التزمت بتلقي العلم وإن كنت موظفا أو عاملا أحسنت عملك وإلى غير ذلك من هويات مختلفة.
 

إن ما تحدث عليه هنا الشيخ النابلسي من السنن الكونية، فابتعادك عن الفوضى وإصرارك على العمل أو الدراسة أو خدمة المجتمع في وقت تعم فيه الفوضى العالم أجمع وبلدك بشكل خاص؛ له ثماره ونتائجه الإيجابية بكل تأكيد ولك أن تقرأ الكثير من قصص النجاح لأشخاص استطاعوا تحقيق إنجازات كثيرة وسط محيط سلبي كان من شأنه أن يحبط الكثيرين، لكنك هنا وقبل كل شيء تختار الوقوف إلى جانب نفسك وتحقق النجاح لذاتك حتى ولو لم يلتزم جميع المجتمع بأن تكون له نظرة إيجابية مثل نظرتك لما تقوم به، وفي التزامك بالنجاة بنفسك مخرج من دوامة كبيرة غرق فيها الكثيرون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.