شعار قسم مدونات

جامعيّون يسرقون أوطانهم

blogs - الجامعة

همسة: لا أُحب البدايات التفاؤليّة المٌبتذلة، الغيمة السوداء التعليمية باقية وتتمدد ولا حل لها. كُـكل سنة يَخرج علينا كبير المسؤولين عن التعليم ويخبرنا أنه وجد الحل الأمثل، لتطوير التعليم هذا الخطاب جدًا تقليدي، لدرجة أنني أصبحت قادراً على التنبؤ بالشيء الذي سيقوله، ربما الجديد هذا العام في خطابه: نقطة جديدة بعد كل سطر، وسعلة بعد نهاية فقرة طويلة تتبعها كلمة عفواً للصحفيين.
 

لو لم نكن نعاني ثمالة اللامبالاة، لما تركنا المسؤولين عن التعليم يهرطقون علينا في كُل عام . تسوئني نفسي سائلةٍ: أين أوائل الخريجين الجامعيّن؟ لِما لا يكونوا هم المسؤولين عن الخطة التنمويّة للتعليم؟، من يكن قادراً على التغيير ويترك وطنه، فإنه وللأسف يصبح سارقاً له.
 

التعليم العربيّ في نقطة ما قائم على أساس التنقيل، وفي نقطة أخرى قائم على أساس عدم الجدية في الطرح، المهم في الأمر أنه لا يحقق أبدًا قاعدة الفهم المزعومة.

كُلُّ الخذلان يُغتفر إلا خُذلان الوطن، عبارة قرأتها على بوابة في إحدى معارض الكتب، دعاني فضوليّ القتّالُ، للسؤال عن تلك العبارة، معظم الروائيين يطبعون رواياتهم خارج حدود هذه الخريطة الجغرافية هكذا أجابني، سقط حماسي من برجٍ عالٍ أو ربما من أعلى نقطة في المستوى الديكارتي إلى أدنى نقطة هكذا أُصِبت.
 

في تموز من عام 2013، هممت أنا وزميل لي في الجامعة، بإطلاق مبادرة تهتم بعدد من مدارس الأطفال المعروفة بـ "التمهيدي"، لا أعلم من الذي أطلق عليها هذه الكنية الصائبة، هي بالفعل إعداد لـ مرحلة تمهيدية صعبة تتمثل في "الحقيبة الثقيلة، الكتب الدسمة، معلم ذو صوت مرتفع يطرق بيده على السبورة لينتبه الطلبة".
 

وبالفعل أعددنا الخطة، وقمنا بنشر البوسترات، وحصلنا على الدعم اللازم إضافة إلى أهم الأشياء وهي الموافقة على دخول تلك المدارس، وبدأنا بإحراز أول النجاحات وهي لفت نظر الأطفال، قبل أن نصطدم بإحدى مدراء هذه المدارس يقوم بالصراخ على عدد من الطلبة الذين لم يتجاوز عمر الطالب الواحد فيهم حاجز ال5 سنوات، ويدعوهم إلى العودة للغرفة الصفيّة، وعند سؤالنا عن ذريعته كان الجواب أن ما نفعله هو مضيعة للوقت، وأنَّ التعليم المُقيت الذي مكنني من كتابة هذه الهرطقة السلبيّة هو الذي يفيد الطلبة وينهض بهم الى قمة الأمم، على الرغم أنني تَلقيتُ نفس التعليم إلا أنني أدركت بعد نقاشٍ طويل بيننا إلى استحالة إكمال هذه المبادرة في هذه السنة لهذا انتهى بنا الأمر إلى فشل مبادرتنا تلك والعودة صفر اليدين.
 

ومن باب العلم بالشيء والإخبار عنه ليس إلا، إن هدفنا وهدف المبادرة الرئيسي قبل إنشاؤها: هو التعلم عن طريق اللعب. وهو التعليم المنتشر حديثاً في كثير من مدراس العالم، لكن للأسف فكر مدير هذه المدرسة القديم، جعلنا نعود أدراجنا إلى الجامعة لنكمل الفصل الصيفيّ وسط حالة من الإحباط والخذلان.
 

أيأستني هذه الحالة من معاودة المحاولة، قبل أن ألتقي بمجموعة أخرى من الزملاء لهم باع طويل في المحاولات التطويريّة، مجدداَ عاودنا العملية الجراحيّة نفسها، لا أعلم لماذا أَطلّق عليها هذا المسمى، هي بالفعل عمليّة جراحيّة أو أظن أنها استئصاليّة للفكر التعليمي التقليدي بالوطن العربي ربما الجديد هذه المرة هي اختلاف حالة الطقس، فالمحاولة السابقة كانت في تموز من عام 2013،والمحاولة هذه كانت جديدة الصنع تقريبًا، في يناير من عام 2014. الجديد في هذه المحاولة أننا لم نستطع الحصول على الموافقة كما حدث في المحاولة السابقة، بل حصلنا على الرفض من أول ورقة قمنا بتقديمها، لهذا اعتبرنا أنَّ المحاولة الأولى كانت أكثر نجاحًا..
 

إنَّ التعليم العربيّ في نقطة ما قائم على أساس التنقيل، وفي نقطة أخرى قائم على أساس عدم الجدية في الطرح، الجدير ذكره من الممكن أحياناَ أن يحقق النقطتين معاَ، المهم في الأمر أنه لا يحقق أبدًا قاعدة الفهم المزعومة.
 

"لا تنتظر التقدم ممن يغلب على كلامه طابع الكذب"، هذه النصيحة تشبه واقعنا تمام، لا تنتظر التقدم ممن يقول لكَ نحن جاهزون هذه السنة أو في العام القادم أو حتى عام 2034.

أذكر إنني في بحر عام 2014 قمت بكتابة مقال، أُقارن به بين التعليم بالوطن العربي والتعليم باليابان، العجيب بالأمر أنني قمت بقراءة عدد من المقالات حول التعليم الياباني وقمت بتصفح العديد من مواقع المدارس اليابانية التي تُتيح للأشخاص الأجانب الانتساب لها وحضور الدروس عن طريق الانترنت، لأستطيع المقارنة بين الجانبين العربي كـكُل والياباني، المدهش بالأمر أنني قمت بإنهاء المقال بهذا البيت الشعري للشاعر "بفـل التعـاون أرست أمـم، صروحا مـن المجـد فــوق القمـم"، أي حماقة كنت أرتكبها، لا أدري، كنت حينها كمن يقارن بين سيارة كاديلاك سقط عليها نيزك وسيارة بورش أخر طراز!
 

محاولة التغير أو التطوير هي إحدى المحاولات الصعبة جدًا في الوطن العربي، لا سيما أنَّ الناس لم يعتادوا على التغيير قطعيًا، كل شيء هنا روتيني الصنع.
 

لا أعلم لماذا أتباكى هنا، أساساَ الضرب بالميت حرام . كان جدي يقول دوماً "لا تنتظر التقدم ممن يغلب على كلامه طابع الكذب"، هذه النصيحة تشبه واقعنا تمام، لا تنتظر التقدم ممن يقول لكَ نحن جاهزون هذه السنة أو في العام القادم أو حتى عام 2034، الغيمة السوداء تتمدد ولا حل لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.