شعار قسم مدونات

ترمب.. ضحية لنفوذ العمل السري

blogs - trump

بدأت الحكاية عندما قام بعض خصماء ترمب بالتعاقد مع كريستوفر ستيل ضابط المخابرات البريطاني السابق للبحث في علاقات ترمب الروسية. وكان ستيل قد أنشأ شركة استخبارات خاصة في لندن تحت اسم أوبريس استعان بها من قبل مؤسسة الكرة البريطانية و"الإف بي آي" للتحقيق في قضايا الفساد في الفيفا التي صاحبت اختيار روسيا لكأس العالم 2018 وقطر لبطولة 2022..
 

اكتسب كريستوفر خبرة في الشئون الروسية خلال عمله في الاستخبارات السرية البريطانية حيث أرسل إلى موسكو للعمل تحت غطاء دبلوماسي عام 1990 . يبلغ كريستوفر من العمر 54 عاما وقام بإنشاء شركة أوبريس التي تعلن عبر موقعها على الإنترنت قدرتها التحقيقية المتطورة وقيامها بعمليات جمع معلومات استخباراتية معقدة عبر الحدود.

الطبيعة السرية للتخطيط والتنفيذ تجعل الهدف جاهلا بما يجري وبالتالي يكون تأثير الضربة عليه مزدوجا.

أعدت الشركة ملفا عن ترمب مكون من 35 صفحة واحتوى على قصة تواطؤ الروس مع حملة ترمب الانتخابية وتملك جهاز الأمن الداخلي الروسي "الإف إس بي" لمواد مرئية تحتوي ممارسات جنسية مريضة يظهر فيها ترمب يستطيعون من خلالها ابتزاز الرئيس الأمريكي المنتخب كما ظهر في تفاصيل القصة التي تداولتها وسائل الإعلام الفترة الماضية.

قام ستيل الذي حصل على هذه المعلومات من مصادر خاصة في موسكو بمشاركة فحوى هذا الملف مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي فتح تحقيقا في علاقة الروس بدونالد ترمب وتدخلهم المحتمل لصالحه في العملية الانتخابية ولكنهم أوقفوا التحقيق في شهر نوفمبر مع اقتراب إجراء الانتخابات حتى لا يؤثر على نتيجتها وهو ما أغضب ستيل كما يورد موقع السي إن إن واعتبرهم متباطئين في كشف تفاصيل فضيحة ترمب.

أكثر ما يعبر عن جدية القصة أن كريستوفر ستيل ترك منزله الأربعاء الماضي هو وعائلته عندما أصبح اسمه معروفا واختفى وبرر أحد أصدقائه هذا الاختفاء بخوفه على نفسه وعائلته من انتقام الروس.

سبب خروج هذا الملف للعلن توترا شديدا لترمب وكتب عدة تغريدات تكذب الأمر وتصف التقارير الإعلامية المنتشرة بالأخبار الكاذبة وهاجم الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية وشبهها بالأجهزة النازية رغم أن جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أعلن أنهم لا يؤكدون صحة هذه المعلومات ولا يعتمدون عليها في تقييم الموقف.

والحقيقة أن توتر ترمب يدعم فرضية صحة هذه المعلومات فهو الذي طالما واجه الحملات الهادفة إلى تحذير الأمريكيين من انتخابه وتسفيهه بعجرفة ولا مبالاة وركز دائما على فرض وجهات نظره المتطرفة على الساحة رغم رفض النخب الأمريكية لها ولشخصه بشكل عام.

هاجم ترمب الأنباء المنتشرة بشدة وشبهها بطلقة جديدة موجهة إليه.. يبدو أن مطلقيها قد أصابوا هدفهم بالفعل. لقد بلغ من توتر ترمب أنه رفض تماما تلقي سؤال في المؤتمر الصحفي الأول له بعد انتخابه وقال له لن أتلقى منك سؤالا مؤسستك تنشر أنباءا كاذبة مشيرا إلى "السي إن إن" التي تولت نشر الموضوع ومتابعته وأصر على موقفه بعدم تلقي السؤال. عبّر هذا عن غضب شديد من جانبه ألغى من عقله فكرة المحافظة على اللياقة كرئيس منتخب وأشار إلى أن الضربة لم تكن متوقعة ومؤثرة.

وهكذا هي ضربات العمل السري دائما عندما تصيب هدفها تكون بالغة التأثير فالطبيعة السرية للتخطيط والتنفيذ تجعل الهدف جاهلا بما يجري وبالتالي يكون تأثير الضربة عليه مزدوجا.. المفاجأة وما خطط له. ويبدو أن الروس لم يبدؤوا عملية الابتزاز بعد ولم يخبروا ترمب بما يمتلكونه فصدم الرجل بما يقال وبطعنة الروس له وهو ما يفسر ربما تصريحاته اللاحقة لظهور الأنباء المنتقدة بشدة للنشاط الروسي في سوريا.

كما أن ظهور هذه الأنباء المحرجة في ظل الحديث عن اختراق الروس للانتخابات لصالحه يظهره كعميل للروس واقع تحت سيطرتهم وقادم ليحقق مصالحهم في السياسة الأمريكية. لكم أن تتخيلوا أن منظمة استخباراتية تمتلك معلومات تمكنها من ابتزاز رئيس أقوى دولة في العالم.. لم يقترب الخيال من واقعنا بهذا القدر من قبل.

يا لنفوذ العمل السري! إنه قادر على تجاوز موازين القوة المادية ليصل إلى نقاط الضعف بل وتحويل نقاط قوة الهدف لمصلحة القائمين عليه في كثير من الأحيان.

ربما لم يصب الذين تعاقدوا مع ستيل من الجمهوريين المنافسين لترمب والذين ذكر جب بوش من ضمنهم هدفهم بخسارته أو منعه من الترشح في البداية، ولكن ما فعلوه سيؤثر بالتأكيد على العلاقات بين ترمب والقيادة الروسية وسيغيب التنسيق الذي طالما بشر به ترمب لحل قضايا العالم بقدر ما.

كما أنهم وضعوا ترمب في دائرة التحقيق سواء الإعلامي أو الرسمي وهي بداية غير مثالية لفترته الرئاسية الأولى. إن هزلية فكرة قابليته للابتزاز من قبل الروس والتي تبدو كقصة فيلم هوليودي مفرط الخيال كفيلة بالإضرار به سياسيا بل وتكبيل يديه في المستقبل، خصوصا لو تم العمل على القضية من قبل الإعلاميين الأمريكيين وجهات التحقيق وهنا يصبح الابتزاز لترمب داخليا وخارجيا.
 
يا لنفوذ العمل السري! إنه قادر على تجاوز موازين القوة المادية ليصل إلى نقاط الضعف بل وتحويل نقاط قوة الهدف لمصلحة القائمين عليه في كثير من الأحيان. إن العمل السري عندما يحتفظ بصفته الأساسية.. السرية فإنه غير قابل للمواجهة فذلك يعني جهل الهدف بما يحاك ضده وبالتالي عجزه عن مواجهته لأنه بالنسبة له ببساطة..غير موجود.

لقد تعرض ترمب لحملات إعلامية مركزة من نخب عدة لها ثقلها في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم ولكن كل هذا لم يكن له تأثير عملية تجسس سرية واحدة قام بها الروس على حياته الشخصية.. مدهش! هذا النفوذ يجعله السلاح الأمثل للضعفاء في مواجهة العالم المتوحش الظالم..

أولئك العاجزين عن جمع قوة أعدائهم المادية قادرين من خلاله إلى النفوذ إلى كيانات أعدائهم والسيطرة عليهم بوسيلة ما. هل تستطيعون تخيل عدد الذين خططوا ونفذوا عملية التجسس ضد ترمب بالمقارنة بكل الذين هتفوا ضده في الشوارع وعلى الشاشات؟.. بالضبط. يبدو أن السرية هي سبيل الجادين الراغبين حقا في التأثير في هذا العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.