شعار قسم مدونات

الحلم لص

blogs - human
عندما يعصف بك العمر بنوائبه، وتباغتك السنوات خلسة دون أن تشعر، فقط ستتمنى حينها أن تعود صغيرا، ولو لفترة قليلة تسترجع فيها سذاجتك التي لوثتها الحياة، وتفاهاتك التي تعاظمت وأصبحت ثقلا على ظهرك. سوف تتمنى كل لحظة كنت قادرا أن تفنيها في ضحك هيستيري بصحبة رفيق هو الآن.. لا تعلم أين هو الان! فقد أخذت الدنيا بتلابيبكم، وفرقت الأحلام السرمدية دربكم، الذي ما كان له أن يفترق أبدا.
 
دوما في صغري، كنت على يقين أنني لكي أحقق ما أريد، ولكي أحصل على ما أشتهي لا بد أن أكون كبيرا، قادرا على تصريف أموري وحدي، دون مساعدة من أحد، ارتبطت بذهني كثيرا تلك الفكرة، وربما كبرت معي. وعندما صرت شابا يمتلك قدرا وافرا من الوقت والصحة والأحلام، صارت عقدتي ومبعث همي أن أحقق أي إنجاز مما أتمناه، أستعجل الساعات والأيام، وأحلم دائما بالغد. أعيش في خيالات نشوة الإنجاز، وأسبح مرفرفاً، في عالم أبحث فيه عن تحقيق الذات، وتوطيد الثقة بالنفس.

إن العمر لص ماهر بلا شك، ولكننا دوما نعطيه الفرصة لذلك، تمنينا النفس بالأماني، فنسعى خلفها كالنيام! ننتظر المحطة إثر المحطة، ونقضي العمر في الانتظار.

حقا، فهناك فواصل زمنية في حياة الكثير منا، أحداث نظن أن العمر يتوقف بقربها! ليمهلنا فرصة نطبع كل لحظة فيها على قلوبنا، نحياها بصدق لتعيش فينا أبد الدهر. وحين يشيخ بك الزمان، ستدرك أن الذاكرة لا تتسع دوما لكل ما نشتهي أن نستدعيه، وأنها قد اصطبغت بنزعتك النرجسية، وحبك لذاتك، فتراها لا تتذكر غير تلك الفواصل، لن تذكر من طريق الحياة الوعر إلا عثراته، ومصاعبه تلك التي جاهدت إزائها، لتذكر منها فقط، لحظات الفرحة العارمة، والانتصار المجزي.

ربما هي أعراض جانبية، أو بوادر مرض، فقط تلازمني من يوم نضجي الفكري، هواجس خوف أشبه في أعراضها بفوبيا السن، وقطار العمر، ذلك الذي يمر دون أن أدرك تلك اللحظات. ربما أتيتَ إلى هنا، إلى ذلك العالم لشيء ما! ولكنك لم تدركه بعد.

ربما يصبح سلواك الوحيد الآن، أنك لم تصل لذلك السن الذي تتحقق فيها الأحلام، و تصبح قادرا فيه على إدراك تلك الفواصل الزمنية، تصدق نفسك، تطمئن، تعود بالزمن عشر سنوات! لتجد أنك أيضا لم تحقق ما كنت تمني به نفسك وقتها، وليس ذلك مقياسا لفشلك على الاطلاق.

إن العمر لص ماهر بلا شك، ولكننا دوما نعطيه الفرصة لذلك، تمنينا النفس بالأماني، فنسعى خلفها كالنيام! ننتظر المحطة إثر المحطة، ونقضي العمر في الانتظار. لماذا لا نوفّي كل لحظة حقها، ونُقبل بقلوب حالمة على الدنيا، ليكون الحلم وقودنا للعيش، لا للركون والإغفاء. ربما لولا الصحو ما عرفنا الأحلام، فللإفاقة روعة أيضا لو تعلمون! وللأحلام ضرائب قد لا يطيقها الجميع. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.