شعار قسم مدونات

الحركة الإسلامية في الجزائر.. و"المسألة الثقافية"

blogs- الجزائر
لا يحتل ترتيب "الثقافة" بكل مكوناتها صدارة الاهتمام عند الحركة الإسلامية الجزائرية، ويبدو أحيانا كأنه "جسم" نشاز في هياكلها وأوراقها ووثائقها "الرسمية"؛ بسبب معاركها "التكتيكية اليومية" التي تتسم غالبا بـ "الشعبوية"، والرغبة في "السيطرة" على المكان أمام الصراعات "السياسية" التي لا تهدأ -ولو وقف الأمر عند هذا الحد لكانت "الخسارة" هينة يمكن استدراكها- ولكنها اتخذت صورا "مخيفة" في المراحل الأخيرة؛ فقد تحول "التكوين العلمي والثقافي" محل "سخرية" وتندر من بعض فئات "الحملات الانتخابية" المتلاحقة الذين حولوا كل شيء -غالبا-إلى معركة "سياسية" مفتوحة بلا نهاية.
 

وكان من نتائج ذلك أن المشهد "السياسي" الإسلامي عرف نماذج "مشوهة" ثقافيا لا تحسن حتى تلك الأدبيات "التقليدية" التي طالما تفاخرت بها الحركة الإسلامية من أمثال "الخطابة". وإذا أضيف إلى ذلك "معايير" اختيار "السياسيين" وترشيحهم؛ ذلك الترشيح الذي -غالبا ما- يخضع للبعد "القبلي" و"الشعبوي" و"النفوذ المالي" فإن "الثقافة" حينئذ تصبح في خبر "كان".
 

معظم الإخفاقات التي تشهدها الحركة الإسلامية مردها إلى "المسألة الثقافية"، شعر بذلك منتسبوها أو لم يشعروا، وهم -غالبا- ما يشعرون ثم لا يبالون!

لنتأمل مجموع ما قدمته الحركة الإسلامية على مدار ربع قرن (تاريخ الانفتاح السياسي)، سنجد أعدادا كبيرة شاركت في "الحياة السياسية" في مختلف المؤسسات والهياكل، إلا أن المحصلة "ضئيلة" والسبب غالبًا "ثقافي" بالدرجة الأولى؛ فهؤلاء "السياسيون" لا يتوفرون -في معظم الأوقات- على الأدوات الثقافية التي تمنحهم القدرة على "المحاسبة" و"المراقبة" والتأثير في الأداء العام، وهم -غالبا- عازفون عزوفا غريبا عن "الكتابة" والتسجيل والتوثيق؛ بسبب انعدام المهارات "الثقافية" والتأهيل الكافي الذي يعد سلاحا مهما في "معركة" التغيير الطويلة.

ومن الأشياء "المحزنة" أن بعض هؤلاء عندما ينتهي "انتدابهم السياسي" يتحولون -غالبا- إلى شخصيات "هامشية"، مع أن الأعراف السارية في الدول "المتقدمة" أن السياسي يتفرغ بعد خروجه من السياسة إلى كتابة "مذكراته" أو "شهادته" أو يشارك في تأسيس "جمعية علمية أو ثقافية" أو يدعم الأعمال "الفنية" والإعلامية .. ويكون ذلك الجهد مصدر ثراء حقيقي للمجتمع.

ما معنى أن يكتب "سياسي" تقلد وظائف "حساسة" خربشات شبيهة بـ "المواعظ" الباردة، وكان حقه أن يتفرغ لدراسة وافية تحدث ّهزة حقيقية في أركان "الفساد"؟ من صور انحسار الاهتمام بـ"الثقافة" عند الحركة الإسلامية غياب "المحاضرات" العلمية المركزة، وقلة -أو انعدام- الأقلام المؤثرة، والتخلي عن "الكتاب" تأليفا ونشرا وتوزيعا.

لقد تحولت مجالس التكوين إلى لقاءات "روتينية" تسودها البرودة "الثقافية والعلمية"؛ بسبب الكسل والإهمال، وبدعوى "محاربة" التنظير الذي يصد عن العمل.

لا يعنينا في هذا التذكير -بأهمية "المسألة الثقافية" عند الحركة الإسلامية الجزائرية- بعض الاستثناءات القليلة، كما لا يعنينا أيضا ترتيبها في سلم "الأولويات" ضمن مشروع هذه الحركة، وإنما يهمنا أثر "الثقافة" في تكوين المقاربة الإسلامية وتوجيهها، ولا يخفى على عاقل أن معظم الإخفاقات التي تشهدها الحركة الإسلامية مردها إلى "المسألة الثقافية"، شعر بذلك منتسبوها أو لم يشعروا، وهم -غالبا- ما يشعرون ثم لا يبالون!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.