شعار قسم مدونات

مُجتمَعاتُنا.. واعيةٌ أمْ جاهِلة؟

blogs - egypt
بعد قراءة ٍ في التاريخ ومشاهدةٍ لعدّةِ أفلامٍ ومسلسلات ٍ تاريخية كنتُ قد لاحظتُ أولا ً أن الزمنَ يُعيدُ نفسه دوما ً وأنَّ هناكَ نفسَ العناصرِ تَقريبا: وِطَن ٌ مُحتلٌ بغضِ النظرِ عن مكانه ، مُحتل ٌ لئيمٌ ظالم بلا رحمة، فئةٌ من الشعب تقاوم هذا المحتل، وطبعا ً فئة أخرى متعاونة مع المُحتل أو ما نسميهم نحن ب "الخونة"، ويبقى الشعب بعموم أطيافه وتقسيماته هو الجزء الأكبر من هذه التكوينة أو ما يُسمى ب "المجتمع" والذي بدوره تنطوي تحته كل التقسيمات المذكورة أعلاه ماعدا المُحتل باندراجه لا بوجود تأثيراته المقصودة.

دائما ً ما كنت ألحظ وجود عنصر الجهل لدى المجتمعات بالتزامن مع وجود المُحتلين لأي أرض، وكأن هذا الجهل يحل كغيوم ٍ سوداء مع قدوم الغاصب، يا ترى هل هي مصادفة؟! أم أنهم يكونون قد مهدوا احتلالهم بجهل ٍ ضارب ٍ في أعماق المجتمعات؟!

كأن العقل قد غاب وغشيه الجهل مانعا ً إياه من إبصار الحقيقة، وأنك إن تعهدت تلك الشعوب بالرعاية واهتممت بعناصرها الثلاثة الأهم تكون قد ساهمت في استمرار الدورة التاريخية.

دائما ً ما كانت الدورة التاريخية لأي شعبٍ أو مجتمع تدور في دائرة مغلقة تتكرر كلما توافرت وحضرت شروط تكرارها، تبدأ ُ بازدهار ٍ وحضارة ٍ ونمو وعدل ثم ما تلبث أن تخبو شيئا ً فشيئا ً ويخف العدل وتخف معه مظاهر الحضارة ِ الأخرى وتبدأ أشياء أخرى تطفو على السطح، كالجري وراء الرغبات بجنون وعندما يتبع العقل رغباته يَضمُر اهتمامه كثيرا ً بالعلم، وبغياب العلم وحضور الظلم والفساد لا يبقى أمام الأفراد البسطاء من الشعب إلا الجري وراء لقمةِ العيش لدرجةِ أنهم لَن يلتفتوا لشيء ٍ آخر، ويدخل المجتمعُ حالة ً من السبات الفكري والمعرفي في ظل حضور عوامل الطرد التي سببها الرخاء والترف والبعد عن الدين وما تبعها من مصائب متلاحقة كانت نتاجا ً طبيعيا ً لها ومع غياب القائد المسلم المتيقظ حاضر الضمير نقرأ السلام على مجتمع كهذا، فلا يبقى قيمة ٌ لا لمعلم ٍ ولا لأم ٍ ولا لشيخٍ عالم، وإن ضُربت هذه العناصر الثلاثة، فمن سيربي الأطفال شباب َ الغد؟ فالمعلم مهان ٌ أمام طالبه أمسى بلا احترام والأم ُ تخجل من وصف أحدهم لها بربة المنزل وتطالب بتساوي الحقوق، والشيخُ العالم مُسَفّهة ٌ آراؤه مطعون ٌ فيها فيمسي بلا جمهور ٍ يثق به، وهكذا سينشأ ُ جيل ٌ تافه الاهتمامات فارغُ المعنى مقتول ُ الهمة ِ والعزيمة والأهم ُّ أنه جاهل!

طبعا ً هذه ليست مصادفة، فأي ُّ عدو ٍ يضع نصب َ عينيه بلدا ً ليحتله فإن أول ما يقوم به هو الاحتلال الفكري والمعرفي ثم يُتوجُه باحتلال عسكري في وسط توافر تلك الظروف الملائمة التي أعد ّ لها بصمت ٍ دون أن ننتبه أو نلاحظ.

الحقيقة، تلك الأفكار الغريبة التي تخترق مجتمعاتنا على مهل هي المُهلكة ُ المدمرة، أن تأتي وتطرح فكرا ًغربيا ًمحضا ًعلى مجتمع ٍ محافظ دفعةً واحدة يستحيل أن يتم تقبله لكن إن أدخلتها بطرق ذكية وببطء وأدخلتها في عقر كل بيت ٍ فأنت بالتأكيد ستنجح وستحتل الأسرة والذي عند تراكمه سيؤدي لاحتلال أفكار وأخلاق مجتمع ٍ بالكامل حينها، وحينها فقط تكون الظروف ملائمة لاحتلال عسكري، فهم انتصروا في المعركة قبل أن نلاحظ بدءها أصلا.

نستنتج أيضا أن تلك الشعوب الجاهلة التي تنظر بسطحية ٍ وعاطفية هي سبب ُ ضعف ٍ كبير، فكلمة واحدة تأخذها وكلمة أخرى تعيدها وكأن العقل قد غاب وغشيه الجهل مانعا ً إياه من إبصار الحقيقة، وأنك إن تعهدت تلك الشعوب بالرعاية واهتممت بعناصرها الثلاثة الأهم تكون قد ساهمت في استمرار الدورة التاريخية إلى المرحلة التالية وهي الصحوة التي تتبعها تلقائيا اليقظة ثم النهضة ثم الحضارة..
فهل يا تُرى مُجتمَعاتُنا.. واعيةٌ أمْ جاهِلة؟!
سأترك الجواب لكم…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.