شعار قسم مدونات

عصر الصورة

blogs- صحافة
في الماضي أقصد أيام الطفولة والمراهقة وليس ماض سحيق لأنني مواليد عام 1989 كنا نفرح حين يستأجر والدي آلة تصوير (كاميرا) لنبدأ بالتقاط الصور ثم ننتظر عدة أيام لتتحمض الصور نقلب الصور بشوق وضحكات ونرتبها في الالبوم فهي تجمد أجمل اللحظات التي ستصبح بعد زمن ذكريات قديمة تبدلت بعدها الأحوال. واليوم صارت الصور تلتقط في كل لحظة وثانية وصارت الكاميرات متوفرة في يد الجميع في كافة الاوقات فلا أحد يستغني عن الهاتف المحمول ولا هاتف محمول يخلو من الكاميرا، صارت تصنع الاحداث من أجل التقاط الصورة بعد أن كانت تلتقط الصوره للاحتفاظ  باللحظة  وصارت الصورة أهم من أي شيء.

في الماضي كان يكفي أن تكون ثيابك نظيفة ومرتبة لتحصل على مظهر لائق مقبول، واليوم أصبح لا بد أن يصبغ الشعر وتلون العينين ويقوم الأنف الحاد والأسنان المعوجة، أصبحت متطلبات المظهر الجيد كثيرة ومعقدة، بل وتتغير كل فترة لأن إحدى النجمات قامت بتغيير معين في مظهرها مثلا، حتى أن برنامجا تلفزيونيا يلقى شعبية واسعة وجمهورا كبيرا يعتبر أنه يغير حياة الأشخاص من تغيير مظاهرهم حيث يذرف فيه الأشخاص الدموع وهم يتحدثون عن حدة أنوفهم واعوجاج أسنانهم وكأنه ذنب اقترفوه، وكأن سبب فشل الشاب في أداء عملة هو حدة أنفه وفشل الأم في التفاهم مع ابنتها هو اعوجاج أسنانها.
 

لا نعرف ما الذي حدث وكيف حدث، هل حدث بالصدفة أم أن الأمر أعمق من ذلك، لكن القشور أصبحت أهم من اللب وغلاف الكتاب أهم من محتواه.

صرنا نربط أخطاءنا وفشلنا بحالة المظهر فنسعى لتغييره عوضا عن السعي لتطوير القدرات والمهارات والتعلم وتغذية الروح، إن رضا الإنسان بمظهره مرتبط بثقته بنفسه  أما الذين يبالغون في تغيير خلقتهم لدرجة العبث فهم يغرقون أنفسهم في وهم كبير يجعلهم يعتقدون أن مشاكلهم ستحل وأن ثقتهم ستزداد لكنها تشوه جمالهم وطبيعتهم الأصيلة تدفع بنا إلى مادية بحتة وكأن الروح ليس لها أي قيمه وتبقى الطبيعه تخبرنا أن الفطرة أجمل وأن الحكمة أن نحفظها ونستهلك فكرنا ووقتنا وأموالنا في تطهير القلب وتقوية العقول تخبرنا أن الأزهار والأشجار جميلة كما هي، فلا نريد أن نلون الياسمين ولا أن نعطر البصل لأن لكل زهرة ونبتة وظيفتها ومظهرها الخاص لكل منها كيانها الخاص، ألا يستحق مظهر المرء قداسة خاصة واحتراما أكبر، ألا يكون أمرا غريبا أن ترى صديقتين متشابهتين لأنهما لجأتا لنفس طبيب التجميل.
 
هل تحول الإنسان إلى مجرد صورة وكأنه دمية متحركة، هل غابت الروح وابتعدت؟ كل هذا يعود لوفرة الكاميرات وسهولة إمكانية التصوير أو ربما بسبب الإعلام الذي يجعل البطل دائما شخصا مثاليا من حيث المظهر في الطول والوزن وملامح الوجه وحتى نبرة الصوت.

لا نعرف ما الذي حدث وكيف حدث هل حدث بالصدفة أم أن الأمر أعمق من ذلك، لكن القشور أصبحت أهم من اللب وغلاف الكتاب أهم من محتواه وجمال الصوت أهم من معاني الكلمات في الواقع لقد أصبح كل شيء أهم من الإنسان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.