شعار قسم مدونات

صومالي مالطا.. آهٍ وآه

blogs - Somali

بعض المواقف التي تمر بنا في حياتنا هي من نكد العيش الذي قدر علينا أن نواجهه، وشدة وطئتها في أنها تكون سببا لمرارة وحزن لا نملك أن نحتويه حتى ينجلي بالنسيان مع الزمن.

 

الحادثة اقترنت بشاب صومالي في مقتبل عمره، حيوي ولطيف جدا، لمست ذلك بعد أن حاورته. بادرت بالقول: سحنتك تنبأ بأنك صومالي.. ابتسم ابتسامة متألقة، كأنه يعبر عن ارتياح لاهتمام شخص عربي به في الغربة، وأجابني نعم بعد أن سلم علي بحرارة.

 

قلت له الصوماليون نزحوا إلى مناطق عديدة من العالم المتقدم كأمريكا وكندا وأوروبا، لكني لم أتوقع أن أجد أحدهم في مالطا؟!

أخبرني أنه هاجر إلى إيطاليا منذ أعوام قليلة، لكن فرص البحث عن الرزق قادته إلى مالطا، بعد أن أخفق أن يجد له مسلكا في بلد اللجوء.

 

يعمل محمد في النظافة، برغم أن حديثه يدل على تحصيله لقدر من العلم والثقافة. وعندما استوقفني كان يدعك أرضية الفندق بهمة ليحيلها إلى سطح براق.

 

سألته عن وضعه فأجابني بما يشير إلى صلاحه، فقد عبر عن اعتزازه بدينه وبوطنه، مستبشرا بالتطور الإيجابي الذي تشهده الأزمة الصومالية، خاصة على الصعيد الأمني، حيث تراجع الصراع المسلح، وخفت إلى درجة ملحوظة التفجيرات، ويتمنى أن يتحسن الوضع الاقتصادي حتى يتمكن من أن يجد لقمة عيشه في بلده فيقتاتها وهو عزيز شريف.

 

انتهى حديثي القصير المركز معه وانطلقت إلى قاعة الاجتماعات لأعود بعد برهة فأشاهد ما هزني وآلمني. رأيت الشاب محمد وهو يتلقى سياط التأنيب من قبل فتاة يبدو أنها المسؤولة عنه في الفندق. طريقة التوجيه لم تكن عادية أو مما يقبل في الإدارة، فملامح وجهها ونبرة صوتها وكلماتها كانت تعكس لك أنها لا تمارس صلاحياتها فحسب، بل تظهر بعض من مكنون النفس الذي ليس بطيب.

 

الجزء المحزن هو كيفية تعامل محمد مع "الجلادة"، فقد بدى عليه الارتباك، وظهر ما يوحي بانزعاجه واضطرابه… يحاول أن يستجيب فيأتي التأنيب ليقول ليس بعد. استمر الموقف لبرهة لم أستطع أن اتحمل أن تطول أكثر من، فانطلقت وبي حزن تحول إلى غضب.

 

المشهد تختلط فيه العناصر والمكونات، لكن لا يمكن أن تفصله عن الأوضاع المريرة التي تعصف بالأوطان تكون وبالاً على الإنسان، فيدفع فيها من كرامته الكثير.

 

هذا الشاب الذكي الألمعي المتألق في حديثه وتطلعاته ما كان ليواجه مثل هذا الإذلال لو أنه وجد العيش الكريم والرزق الشريف في بلده، ومثله الملايين من أبناء الأمة العربية والمسلمة الذين هجّرهم الاستبداد، أو قذفت بهم بعيدا الأزمات والحروب، فلاقوا ما يحط من كرامتهم ويقلل من إنسانيتهم، فيحيلهم إلى أشخاص منكسرين، أو ربما قنابل موقوتة تحمل الغل وتضطرم حقدا، فتعود بالشر على بني جنسهم من الاقربين أو البشر أجمعين.

 

آلمني ما شهدته لأن الإذلال شيء تمقته النفس، ولأنه وقع على من أحسست أنه قريب مني برباط له قيمه، ولقد كانت لنا صحبة كريمة مع شريحة واسعة من الصوماليين لسنوات في الغرب. لكني ربما توسعت في التفكير وفي دائرة القلق بل والهم لأن بلدي يشهد أزمة مماثلة أو مشابهة، وبالقطع يواجه العديد من أبنائه واقعا مريرا كالذي رأيت بعض ملامحه مع صومالي مالطا، فكانت هذه الزفرة التي أتمنى أن تجد لها صدى في قلوب وعقول من يعرقلون الاستقرار ويدفعون إلى مزيد من التأزيم فيجدوا فيها ما يحرك بعض نوازع الخير فيهم. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.