شعار قسم مدونات

خطر الاستقرار على حياتنا

blogs- بيت
تقول ورد بطلة مسلسل "قلم حمرة" للمخرج حاتم علي "معقول هاي هي الحياة!!!"
ورد امرأة في أواسط الثلاثينيات من العمر، كاتبة سيناريو متزوجة و أم لطفل عمره خمس سنوات، و رغم ذلك لا تجد معنى لحياتها، الروتين اليومي يخنقها ويفرغ الأشياء من معانيها، حاضر بلا طعم و لا تطلعات للمستقبل، ما أصعب أن نفقد شغف الحياة!!! ربما كثيرات يتمنين حياة كحياتها لكنها ليست سعيدة.

هل يكفي أن تراجع خياراتها في الحياة لتكون سعيدة؟ من يضمن لها ذلك ربما تصبح أكثر تعاسة؟ ربما لو تمرنت على الرضا بالموجود، والتأقلم مع العادي والمتداول تكون سعيدة، و هل يعد الرضا درجة من درجات السعادة أم هو مجرد استسلام للواقع، وتجرد من أي رغبة في التغيير، يعني الاستغناء عن الموجود و استبداله أو تطويره من حال إلى حال.

عندما تختار الاستمرار مع شريكك في الحياة وكلاكما عاجز عن إسعاد الآخر، ولا تجدان أي أرضية للتفاهم والانسجام، فقط للمحافظة على الاستقرار فهذا أمر قاس ومرهق نفسيا.

الواحد منا في العشرينيات من عمره يكون لديه الكثير من الخطط والأحلام والأمور التي لم يقع الحسم فيها بعد؛ العم، الشريك، مكان السكن، الأبناء، وكل التفاصيل التابعة لكل أمر من هذه الأمور المهمة و المصيرية، و التي ستحدد شكل القادم من حياته.

في هذا العمر كثيرة هي الأمور التي نسعى للحسم فيها محاولين ما استطعنا تطويع الظروف لتكون في خدمة مخططاتنا، و هذا السعي لتحقيق أحلامنا أو لمعرفة الجانب المجهول من المستقبل، ورسم معالمه بشكل نهائي نوعا ما، يعطي للحياة معنى ولا تكون الأيام نسخة مكررة من نفس اليوم، لكن مع نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات نبدأ بمعية الظروف في وضع النقاط على الحروف، وبلوغ خط الوصول في كل الدروب التي سرنا فيها، فنعرف ما العمل الذي سيلازمنا في السنوات القادمة من العمر، ربما يعجبنا ونحبه، لكن نادرا ما يحدث ذلك في عالمنا العربي.

نختار الشريك شريك الحياة، مدى رضانا عن هذا الشريك أو هذا الخيار يختلف من شخص لآخر، ثم يأتي الأبناء و ننخرط في دوامة حياة عملية وعائلية روتينية مرهقة، وبمجرد أن نستقر في هذه الحياة ينهمر سيل من التساؤلات، وتتملكنا رغبة مستمرة في التحليل والتقييم، ولدينا الوقت لفعل ذلك، فعادة ما نتوقف في هذه المرحلة العمرية عن الحلم، عن الانتظار، عن المجازفة بشكل ما.

في هذه الفترة نصل للاستقرار الذي طالما سعينا إليه، لكن مدى رضانا عن هذا الوضع المستقر واستمتاعنا به أمر نسبي وذاتي، لا تعميم لا تصنيف ولا قاعدة. هنا يمتزج لدينا الحنين لسنوات بداية الشباب بخوف من شبح الكهولة، الذي يلوح معلنا عن اقتراب موعد نزوله في محطة حياتنا.

في هذه المرحلة أنت أكبر من أن تقوم بما يقوم به الشباب وأصغر من أن تعيش بأسلوب الكهول، أكبر من أن تضع مخططات كبرى لحياتك الشخصية التي تخصك أنت وحدك وأصغر من أن تعيش للآخرين. في هذا العمر تتساءل:"معقول هاي هي الحياة!!!". أتحدث هنا عن حالنا نحن في العالم العربي، عالم الفرصة الواحدة والقرار الأخير والنهائي في كل أمرنا، لأن الوضع مختلف عند الغرب، إذ يمكنهم أن يبدأوا من جديد في كل عمر، والمجازفة غالبا ما تكون هي القاعدة وليست الاستثناء لديهم .

يمكن للواحد منا أن يستمر في عمل أو علاقة زوجية تقوده بخطى حثيثة نحو الاكتئاب والتعاسة، فقط لأن الشكل الظاهر من حياته يستجيب لمعايير السعادة التي يضبطها المجتمع.

رغم أن الاستقرار بما يعنيه من عمل قار وحياة عائلية عادية دون مشاكل هو ما نسعى إليه جميعا؛ إلا أن هذا الاستقرار والتمسك به على حساب كل شيء، يمكن أن يشكل خطرا يهدد صحتنا النفسية. فعندما تستيقظ كل يوم لتقوم بعمل لا تحبه ولا تقدر أن تبدع فيه، فقط لأنك لا تجرؤ على تغييره، أو ربما لأنه ليس لديك خيار آخر، فهذا أمر قاس ومرهق نفسيا .

عندما تختار الاستمرار مع شريكك في الحياة وكلاكما عاجز عن إسعاد الآخر، ولا تجدان أي أرضية للتفاهم والانسجام، فقط للمحافظة على الاستقرار فهذا أمر قاس ومرهق نفسيا.

نحن شعوب تحكم على الأمور بظاهرها، ونهتم كثيرا بنظرة الآخر لنا، وحكم المجتمع على حياتنا العائلية والعملية، لذا يمكن للواحد منا أن يستمر في عمل أو علاقة زوجية تقوده بخطى حثيثة نحو الاكتئاب والتعاسة، فقط لأن الشكل الظاهر من حياته يستجيب لمعايير السعادة التي يضبطها المجتمع.

ولنا أن نسأل متى نتجاوز عقدة الاستقرار المزمن؟ متى نمتلك الجرأة والشجاعة لمناقشة هذا الاستقرار، ومراجعة خياراتنا في الحياة؟ متى نتجاوز الآخر الذي يسكننا، ونركز على ما يسعدنا حقا وليس ما يعجب الآخرين؟ غالبا ما يصل الناس عندما يتقدم بهم العمر لحقيقة أنهم لم يعيشوا لأنفسهم بل عاشوا بطريقة تعجب الجميع، ولم تعجبهم هم أصحاب هذه الحياة، يكون الجميع راضيا عنهم ولا يكونون راضين عن أنفسهم، لكنهم يصلون لهذه حقيقة بعد فوات الأوان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.