شعار قسم مدونات

لماذا الأستانة؟

putin
دخلت المعارضة السورية و القوات الحكومية في ما يشبه "سباق الزمن" نحو تحقيق المكاسب على الأرض، فمعارك وادي بردى اشتدت، و المعارك على جبهة الفرات لا تزال حاضرة بقوة، و الأكراد فرس الحرب الصاعد لا يزالون يقاتلون بشراسة، في محاولة منهم لكسب النقاط، حتى أطلق على المعارك الدائرة في جميع أنحاء سوريا، سباق ما قبل الأستانة. الروس برعوا في المناورة كثيرا فجأة يعلنون خفض القوة العسكرية لبلادهم في سوريا، و فجأة يوهمون العالم أن المنطقة بل الإقليم مقبل على حرب عالمية، فيشحنون المعدات و الطائرات و الأساطيل الى سورية.

يراقب المعنيون بالأزمة السورية بل العالم بأجمعه ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، و لست أبالغ أن تغيرا كبيرا قادما للمنطقة، و ستحدد معالم جديدة، و خارطة جديدة للمنطقة، و لو نظرناً قليلا و تأملنا الهجوم الإسرائيلي قبل أيام على قاعدة المزة العسكرية، غرب دمشق دون أي مبرر للهجوم، فعادة  كانت تبرر إسرائيل الهجمات على أهداف سورية، بأنها تمنع نقل أسلحة لجماعة حزب الله،  و الرد على أي خروقات تنطلق من سوريا باتجاه الجولان المحتل.

اختيار الروس للأستانة كمستضيف لأطراف الحرب السورية تحمل الكثير من الدلائل والأهداف؛ فالأستانة عاصمة لجمهورية كانت جزءا من التراب السوفيتي، و هي دولة تربطها علاقات قوية بالاتحاد الروسي، وعلاقات ضعيفة بالاتحاد الأوروبي.

هجوم المزة العسكري أيضا يدخل في سباق ما قبل الأستانة، فإسرائيل تعلم جيدا أن الرئيس بوتين أراد تحجيم النفوذ الأمريكي، والقبض على زمام المبادرة، والتحكم الكامل بالقضية السورية و فرض الشروط الروسية التي تحفظ لروسيا و حلفاءها مصالحهم في المنطقة، و بدون دور أمريكي كبير في الأزمة السورية، ستكون إسرائيل أكثر قلقا؛ لذلك وجهت رسالة بالصواريخ، و بدون طائرات للإرسال بأن لإسرائيل ذراع طويلة في سوريا، ولن تسمح بأن تمر محادثات الأستانة بدون علمها، و بالطريقة التي لا تريدها.
 

فهجوم المزة العسكري، و معارك وادي بردى، و معارك جبهة الفرات، و معارك سورية كلها تسبق الحدث الذي صوره الروس على أنه الحدث الأكثر تأثيراً في الأزمة السورية، وسيضع الخطوط العريضة لسوريا بعد الأستانة، أنا لا أبالغ حين أقول أن محادثات الأستانة ستضع الخطوط العريضة للمنطقة برمتها، بل سترسم حدود جغرافية للمنطقة برمتها، ستختلف الأستانة عما سبقها من لقاءات للأطراف المؤثرة في الأزمة السورية، كاجتماعات جنيف 1، و جنيف 2، و لقاءات لوزان السويسرية. لقد اختار الرئيس الروسي فلادمير بوتين الأستانة، فالإسم يحمل الكثير الكثير من الأهداف و الرسائل، التي أراد بوتين و ساسته أن يوصلها للطرف الآخر من الحرب السورية، وأقصد الإدارة الأمريكية.
 
إختيار الروس للأستانة كمستضيف لأطراف الحرب السورية تحمل الكثير من الدلائل والأهداف؛ فالأستانة عاصمة لجمهورية كانت جزءا من التراب السوفيتي، و هي دولة تربطها علاقات قوية بالاتحاد الروسي، و علاقات ضعيفة بالاتحاد الأوروبي، والرئيس الكازاخستاني تربطه علاقة متينة بالرئيس الروسي فلادمير بوتين. ويمكن القول ان كازاخستان منطقة نفوذ لروسيا.

هذه ليست أهداف الروس لاختيار الأستانة كمنطلق للمحادثات الدولية بشأن الأزمة السورية، إنما الأهداف تكمن في أن الرئيس بوتين أراد أن يؤكد أن أي حل سياسي للازمة السورية لن يكون إلا على التراب السوفيتي، مذكرا الغرب بالإتحاد السوفيتي، فاختار الأستانة لذلك؛ ليس هذا فحسب، أراد الرئيس بوتين أن يبرهن للإدارة الأمريكية أنه المنتصر في تلك الحرب، و هو من سيقرر نتائجها و كيفية نهايتها ،فاختار الأستانة كمنطلق للمحادثات، وستكون روسيا فيها راعي تلك المحادثات من تلك العاصمة السوفيتية السابقة.
 
وبهذا أراد بوتين أن يؤكد للغرب، بأن روسيا حاضرة بقوة على الساحة الدولية، و يذكر بأمجاد السوفيت و قوتهم. يبرهن الروس لنظرائهم الأمريكين أنهم الأكثر تأثيرا على جميع أطراف الحرب السورية و القادرين على جمعهم على طاولة الحوار، والتوصل معهم لحل سياسي يرضي المعارضة و يحفظ لروسيا مصالحها، فاختار الأستانة برئيسها نور سلطان نزار، الذي تربطه علاقة قوية بأردوغان و بوتين و هما راعيا المفاوضات، و هو ما يؤكد عزم الروس على نجاح تلك المحادثات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.